يونيو 6th, 2014 بواسطة إباء اسماعيل
إبـداعـات.. أغنيات لبَثّ الروح.. في هذا العصر المقفر
إبـاء إسـماعيل.. في ديوان “فـراشـة في مـدار الضـوء”
الصحفي و الناقد المصري د. عبد الناصر عيسوي
قراءة نقدية للدكتور عبد الناصر عيسوي
جاء الديوان الذي بين أيدينا في قسمين، يضم الأول إحدى عشرة قصيدة، وجاء الثاني بعنوان “أزهار الفراشة: قصائد قصيرة” ويضم سبعين نصًّا قصيرًا. وجاءت نصوص الديوان كلها تفعيلية.
تفتتح الشاعرة مجموعتها بقصيدة بعنوان “طفلة ونجم”، فيها كل مفردات الشاعرة من أحلام وآمال وأشواق وأنوار، وحيث تؤمن الشاعرة بأهمية البُعد الروحي، فهو السعادة والفرح، وهو القاهر للغُربة والاغتراب:
“وفوق الأرضِ قنديلٌ سماويٌّ/ يمزّقُ وحدةَ امرأةٍ/ ويلبسُ ثوبَها الفضيَّ/ يحْملها إلى فرحٍ/ وفوقَ الغيمِ يحْملني…/ يمدُّ يديهِ/ منْ شبّاكِ غربتِها/ يعانقُ رُوحَها الولْهى/ يُدثّرها بطيفِ رؤاهُ…/ أو يهْمي كحَبِّ النورِ/ في روحي/ ليغرقَني…/ وترتعشُ السَّتائرُ في أناملِها…/ ويطويها بنفْسجُها/ وتجْرحُها شموسُ الليلِ/ والرؤيا/ وبوحُ النّجْمِ خلفَ البابِ/ مبْتلاً بنبضِ القلبِ/ مسْفوحًا على أوراقِها/ البيضاءِ/ كالثلجِ الذي في الليلِ/ نوَّرها… ونوّرني…”.
وفي قصيدة بعنوان “أنامل المطر” نجد الشاعرة ترى الحب هو وسيلتها للقضاء على الاغتراب، حيث هي مشدودة إلى الجذور الشرقية العربية، وتؤلمها غُربتها الغربية، وبين هذه الثنائية يقع الاغتراب الروحي، الذي يقضي عليه الحب، حيث تقول في نهايتها:
“يا مَطرًا أغزرَ من أنهار الموسيقى/ حين تَمُرُّ مياهُ أصابعِكَ/ الأعمَقِ من بئرٍ/ أو جِذْرٍ أو موجٍ/ يجتاحُ نزيفَ جنوني/ وأحبُّكَ/ يا غُصنًا ينمو فوق جذور دمي/يا غيمًا يهطُلُ طفلاً/ داخلَ مملكتي،/ مطرًا لامرأةٍ واحدةٍ/ مطرًا للشّعرِ وللنثْرِ/ غريبًا وأليفًا/ مثلَ طَحينِ الرّغْبَةِ،/ حينَ يصيرُ رغيفًا لِقصيدةْ،/ أو كعكةَ عيدي/ يا عيدَ الحُبْ…/ يا قَمَري العربيَّ/ يُفتّحُ في روحي قنديلَ ضياءْ!…/ هل تأخذُني عيناكَ/ إلى أجنحةِ الصَّيفِ العربيةْ؟!../ هَل تُصْبِحُ بَحْري العربيّ/ وَهَل أُمْسي نورسةً/ فوقَ شواطئِ قلبكْ؟!../ يا بَحْري/ يا قمري/ لا تُبقيني نورسةً شارِدةً/ بينَ نجومِ الغربةِ والآهْ…/ لا… لا تمْحُ أريجَكَ مِنْ وهْجي،/ حينَ أصيرُكَ شَمْسًا/ لا… لا تَبْعُد عن جرحي/ فأنا الشَّرقُ يُحاصِرُني: وردًا،/ عِشقًا،/ جَمرًا ومَتاهْ…/ هيّا خُذْ بِجَناحَيَّ إلى مائِكْ/ هيّا اغسلني بربيعِ دمائكْ/ هيّا…/ حَرِّرْني/ منْ ثلجِ طَواحيني الغَرْبيّةْ!…”.
وفي قصيدة مقطعية بعنوان “هواجس على أرصفة الوطن”، نجد الشاعرة تتمرد على الحالة الرومانتيكية، فتقول:
“لن تستكينَ جوارحي لجروحها/ فَأنا اشتعالٌ،/ في دماءِ الأزمنةْ…/ سَأمدُّ أحلامي الفسيحةَ/ كالشّجرْ…/ وأرى سَنا الأحلامِ بَحْرًا/ في الحَجرْ…/ فأنا الخصوبةُ،/ في فضاءِ الأمْكنةْ!…”.
ولذلك نجدها في مقطع آخر تعترف بشيخوخة أناشيد الشموع، فإن الأمر خطير، حيث حلَّ الخراب واستُبيح دم العرب، أو كما تقول:
“ها لَيْلِيَ الغافي،/ يُناجي أنجُمَ الرَّغباتِ/ في صُبْحِ الوطنْ…/ شاخَتْ أناشيدُ الشّموعِ/ تكاثَرَتْ لغةُ الشَّجَنْ…/ لأرى عصورًا مِنْ لَهبْ/ وأرى خَرابًا يستبيحُ،/ دمَ العرَبْ…/ وأرى نشيديَ ضاعَ/ في الشجرِ الغريبِ/ أرى هُدًى ومَناسِكًا/ يتسامَرُ الأمْواتُ فيها/ غارقينَ بِمَوتِهمْ…/ وأرى كأنَّ الأرْضَ،/ ميلادٌ/ وَميراثٌ/ يُحَوِّمُ في النّوَبْ!!…”.
أما القصائد السبعون القصار، فقد وردت تحت عنوان “أزهار الفراشة”، حيث نجد مواقف جدلية بين الحقيقة والوهم، أو بين الحلم والواقع، أو بين اليأس والأمل. وهذه قصيدة قصيرة بعنوان “وَهْم” نجد فيها جدلاً بين الحقيقة والواقع، يحتاج فيها الحب إلى نضال كي ينتصر، فتقول:
“هاكهرباءُ القلبِ/ تحْرقها الثلوجُ كَوردةٍ/ والوهمُ قاتِلْ…/ ها نبضة الروحِ الأسيرةِ/ في الفضا/ ارتعشَت هُنا/ يا حُبُّ ناضِلْ…/ حيثُ الأميرة تهتدي لأميرها/ والقصرُ حائِلْ!!”.
وهذه قصيدة أخرى بعنوان “شهادة” يبدو فيها أن الشاعرة كانت تُصِرُّ على أحلامها، لكن الواقع أردَى كل شيء، حتى البراءة، فتقول:
“فَلْتشْهَدْ كلُّ عصافيرِ الضَّوءِ/ بأنَّ الطفلةَ كانتْ تكتُبُ أمجاد زنابِقِها/ بالحبْر السرِّيْ…/ لكنَّ المشهدَ صار تُرابًا،/ واللعبةَ صارتْ وطَنًا عربيًّا/ في العصْرِ الحَجَريْ!!…”.
ونجدها توقن بالأمل، في قصيدة بعنوان “غُربة”، حيث تقول:
“فساتين عُرسِ الوطنْ/ تُخاطُ بِليلِ المِحَنْ…/ فَيا قلبُ لا تَنطَفئْ/ سوفَ يُهْزمُ وحشُ الزَّمَنْ!..”.
وفي قصيدة بعنوان “نبوءة” نجد علاقة عضوية بين الشعر والأمل والحب والنبوءة، حيث يقوم الشعر بدور النبوءة بالأمل المرادف للحب، فتقول:
“قدْ تُغْمضُ عينيكَ/ وترشفُ أناّتٍ من قلبكَ/ ليلَ نهارْ…/ وستبقى وردةَ عشقٍ/ فوقَ الأرضِ،/ الصَّخْرِ/ الأمطارْ…/ وستُشْعِلُ من فجْرِ قصيدتكَ المسْكَ/ تُصلّي في محرابِ الحُبِّ/ وتتبَعُ أنهارَ خُطاَكَ/ وتترُكُ للغَيبِ الحلمَ الورديَّ الأبهى/ ليعودَ الليلُ صباحًا/ كالسلةِ تسكنها الأسرارْ…/ ها الطيفُ الأحمرُ/ يُطْفئُ وهْجَ الصيفِ/ ونارَ الدّمعِ/ لِكَي تُشرِقَ في القلب الأشعارْ…”.
وفي قصيدة أخرى بعنوان “أمل”، نجد الشاعرة قد تخلصت من اليأس وانتصرت للأمل، فتقول:
“رَمَيتُ الرِّداءَ الغريبَ/ سَوادًا كَلَيلِ المُقَلْ…/ لأَخرُجَ من عاصفاتِ الدروبِ،/ وأمضي إلى فاتحاتِ الأمَلْ…”.
واتخذت الشاعرة من اليأس موقف العداء، حيث تقول في قصيدة بعنوان “عاند عدوك”:
“عانِدْ عدوَّكَ/ لا تُهادِنْ…/ فَتِّح مناراتِ الضياءِ/ على رؤاكَ لأنَّها/ يومًا ستبقى/ تمسحُ الحزنَ العميقَ/ عنِ المدائِنْ…”.
ويأتي الحب ممزوجًا بالأمل في قصيدة بعنوان “بابان”، حيث تقول:
“بابي وَبابُكَ كالقصيدةِ/ ساهِرانْ…/ بوّابةٌ للفجرِ تفتَحُ نجمَها/ وحديقتي في القلب ترْسِلُ ضَوءها/ وكلاهُما مُتداخِلانْ…”.
وتؤمن الشاعرة بالحاجة الروحية لإنسان هذا العصر، فتقول في قصيدة بعنوان “قناديل”:
“قناديلُ عمرٍ نَفَتْني/ لأنثُرَ بعضَ الطيور/ على أرضِ ذكرى اليبابْ…/ فَعُدتُ إليكَ كعصفورةٍ/ تحت جُنحي ملاحِمُ شعبٍ/ وتسبيحُ فجرٍ/ لعلَّ السماءَ/ تفتِّحُ وردَ الأماني/ لأحمِلَ جُنحي على وردةٍ/ أو أباركَ رعشةَ روحِكَ/ فوق السَّحابْ!..”.
وهكذا نجد الشاعرة تحشد مجموعتها الشعرية بالأمل والنور والروح والحب، في مقابل جفاف عصر اليباب والخواء الروحي، لتبث الروح في إنسان هذا العصر.
——————————————————-
نُشر في بوابة ماسبيرو الصحفية بتاريخ : 5 شباط 2014
كتب في قسم: فضاءات نقدية | لا توجد تعليقات | 3٬505 views