تحقيق الصحفي السيد حسين حول القصيدة النزارية في العدد 1000 من ( الأهرام العربي) / شاعرات
أغسطس 24th, 2016 بواسطة إباء اسماعيل
ملف الأهرام في عددها الألف حول القصيدة النزارية – تحقيق الصحفي السيد حسين
* إبــــــاء اســــماعيل
في الوقت الذي كان الشعراء العرب الذين تبنّوا الحداثة الغربية ونَظّروا لها وصبّوا نصوصهم الشعرية في قوالبها ومعطياتها وقوانينها ، كانوا بعيدين كل البُعد عن هموم الشارع و الانسان العربي، كان الشاعر الراحل نزار قباني يرسم بإرادته أو عفويته وموهبته الفذّة وثقافته ، رؤيته للقصيدة العربية الحديثة أو الحداثية أو المعاصِرة حسب مايراها هو بأسلوبه و طريقته هو، مما شكّل حالة يمكن أن يُقال عنها أنها المدرسة النزارية في الشِّعر العربي الحديث. هذه المدرسة التي خالفت شروط و قوانين و تنظيرات الحداثة الغربية التي تُعنى بالالتفات إلى ذات الشاعر دون القارئ أي الشعر المُغرِق في الذاتية ، ، وأيضاً بادّعاء القصيدة الحداثية التي لاتحمل قضايا سوى قضية الشّعر ، بيد أنَّ نزار الذي لم يكن يرى قصيدته بعيداً عن أعين قرّائه و مستمعيه وهو الذي حمل هموم وطنه على كتفيه وهو في الغربة ، و هو في الوطن ، وأشعلَ الشارع العربي بقصائده الوطنية و الغزلية الملتهبة ، قصائده التي وصلت إلى كل بيت ووصلت إلى أطفال فلسطين والعالم العربي وتحوّلت إلى قصائد مغنّاة وحملت طابعها الخاص المؤثِّر ليس في القارئ و المستمع فقط، بل أثّرت في أجيال من الشعراء . وحتّى وقت قريب، أشرفتُ على العديد من التجارب الشعرية الشابّة ضمن المنتديات الأدبية وأشرفتُ على بعض الدواوين الأولى للشعراء الشباب واكتشفتُ التأثير المباشر لشِعر وروح نزار قبّاني على أقلام الشباب العربي وإن دلّ هذا على شيء، فإنما يدلّ على ديمومة و قوّة تأثير اللغة النزارية والقصيدة النزارية وروح الشاعر وقوافيه ومضامين شِعره على الأجيال جيلاً بعد جيل..
القصيدة النزارية مُتفرِّدة وعامّة في آن .. متفرِّدة لأنها حين ظهورها في عصر نزار و جيل نزار، لم يكن أحد يكتب بهذه الروح و هذه اللغة ، و هذا التجديد المختلِف. لقد حقق المعادلة الصعبة ، حيث انتقل من الشعر الكلاسيكي العمودي إلى قصيدة التفعيلة و قصيدة النثر بأسلوبه الخاص، ولغته الخاصة الجذابة المشحونة المؤثرة ، و أدواته الشعرية الخاصة وحقّق نوعاً من الثورة على القديم دون أن يتخلى عن تأثير عمر بن ابي ربيعة و المتنبي و غيرهما من الشعراء الذين أثْروا تجربته الشعرية. وكان في شِعره حلقة وصل بين الشعر القديم و الحديث المتجدد. لذلك وجِّهت أصابع الاتهام إليه من قبَل الكلاسيكيين و الحداثيين على حدٍّ سواء. و كُتبت الكتب و المقالات حول التجربة الشعرية النزارية باتهامها بأنها لم تستوفِ الشروط الحداثية وفقاً لقوالب النظريات النقدية الغربية.
تميّزتْ القصيدة النزارية بالجرأة ، جرأة الطرح في أي موضوع تخوضه ، لأنه حَمل شِعار الحريّة دون أن يتخلّى عن مسبحة والده وسجادة صلاة أمّه . كان بارّاً بوالديه ، إنْ أردنا اقتفاء المعنى الرمزي الشّعري للروح النزارية ،.. حافظَ على الأصل، على الجذور، على التراث ولم يتنكّر لهما ولكنه تجاوزهما وجدّد عبرهما ..نعم كانت قصائده متمرِّدة ولكنها تتغلغل في الجَوهَر ، جوهر الانسان و الأوطان …
نزار قباني المحامي / الشاعر عرف كيف يدافع عن وطنه ، عن قصيدته ، عن أنثاه ، عن جذوره ، وعن أصالة إبداعه.. هذه الأصالة الابداعية الخارقة القدرة على التوصيل هي التي تركت آثارها على أجيال وأجيال من الشعراء الشباب المعاصرين و مَن أتوا بعده.
إنَّ قصائد الحريّة التي كتبها نزار فيما يتعلَّق بتحرير المرأة وتلبُّسِه صوتها في كثير من قصائده، ألهَمَ الكثير من الشاعرات و الكاتبات العربيات أن يخرجن من جلابيب جدّاتهن و يكتبن بحريّة و لا يعبأن بشروط أو شُرطة أو تابّوهات من أي نوع .. ظهرتأثير القصيدة النزارية بقوّة ، على سبيل المثال لا الحصر ، في شعر الدكتورة سعاد الصباح و روايات وقصائد أحلام مستغانمي و غيرهنّ كثيرات و كثيرين على مدى عقود. إنَّ الجيل الحالي الذي يعيش في عصر العولمة ، نلاحظ بأنه يبحث عن أقرب و أبسط طريقة لتوصيل قصيدته إلى القارئ و المستمع ووجد في شِعر نزار قباني النموذج الذي يبحث عنه والمثَل الذي يحب أن يقتدي به . بالطبع ليس هو الشاعر الوحيد الذي تميّز بهذا ، بل إنَّ شاعراً عبقرياً كمحمود درويش هو الآخر تربّع على عرش القصيدة و عرش قلوب قرّاء العربية وغيرهما….
وكما أراد نزار قصيدته أن تنتشر كالهواء والماء ، نراها حداثية جداً بمفهوم الشباب في العالم اليوم الذين يجدون في قصيدة الراب ذات الإيقاع الموسيقي القوي و المعبرة ببساطة عن القضايا اليومية و المنتشرة عالمياً الآن ، و الفرق الوحيد أن قصيدة الراب ليست بالضرورة باللغة الفصحى بل قد تكون بالمحكية أيضاً ، ولغة نزار امتازت بالسهل السهل و نعم .. الممتنع المدهِش و الصعب التقليد بالطبع!!