أكتوبر 24th, 2009 بواسطة إباء اسماعيل
إباء إسماعيل
اشتعالات مغتربة
في زوايا المرايا السوداء !
يلح في طلب السعير
يلح في سقط الجسد
وتنزف أسراره المدفونة في السراب ….
ركبها جن الشعر تلك المرأة القادمة من الشام حاملة معها أوراقها وقلمها وفي مخيلتها قصائد من بلند الحيدري وسليمان العيسى وبوشكين ورامبو وغيرهم . وظلت واقفة منتصبة مثل شجرة تموت واقفة
رافضة الموت الابداعي في فضل فضاءات الغربة التي أحالت العديد من المبدعين الى أكوام منسية مما أضطروا إلى محاربتها لقتل جنون إبداعها الشعري ، هذه المرأة المبدعة لا هي من الأرض ولا من السماء ، قدرها الشكسبيري أن تتوهج وتضيئ حياتها بالرغم من تزايد الحاقدين ، تتحرر من عيون حسادها بكتابة القصيدة وهؤلاء مثل الدواب الهائجة ، وخاصة أولئك الذين تحولوا إلى الإسكندر ذي القرنين :
كفاهم بي نقاء
أن أصافح طهرهم النازف
في مرايا وجودهم المتكسرة !
ليحرقوا تيجان قلوبهم السوداء
والحمراء …
وليشربوا دخان غضبهم
مائة مرة
إلى أن تنضج أرغفة وجودهم
على نار الحقيقة!..
فقصائدها تأتي عبر سلسلة من الرموز وتحتاج إلى تفسير يفكك معاني النص والإصغاء لكلماتها لأنها وفرت لنفسها بيئة قصصية إختلت بها ، مما إضطرت للجلوس بمواجهة الباب مسددة إبداعها الشعري ومنجزها لتبيان إسهامها الذاتي في هذا العالم الذي نعيشه الآن ، لتنسكب قصائدها مع الغربة لتهجم على الأرواح المحترقة التي أشعلها الزمن الغابر أمام عينيها ، وحالتها الصوفية ترتكز عليها كرافعة في عالمها الشعري ، وهي متجولة ومسافرة في حلمها الإبداعي في خلق فهم جديد حتى يتسنى لها مفاهيمها التي إبتلت بها كما إبتلى بها المبدعون الذين سبقوها :
لا موطئ ريح لخيولهم
المتكسرة الأجنحة ! ..
ليبعدوني عن فراغات ِ
صباحاتهم
المحنطة …
ويشتد شغف الشاعرة بالرفض من الإحباط واليأس وإحساسها بالشغف والتمسك بمبادئها العظيمة التي خطتها وتمسكت بها ولن تهدرها ، فهي شاعرة مبصرة وقصائدها المفعمة بالحيوية هي بطلتها ومهما إمتد جنح هؤلاء الطغاة في منافينا فالنهرآت مهما كانت العواقب .
فالإنطفاء الذبول التحطيم يتجسد في ذواتهم ، ولكن هي صلدة كالبناء بعد الهدم وكالحياة بعد الموت وكالماء البارد المنهمر بعد الظمأ الشديد ونحن نعيش الأمرين في زمن ليس له وسط أو نهاية أو بداية فكل شيء عائم لأن هؤلاء المتبجحين ليلا ً ونهارا ً في ذواتهم المسلوبة من حب الآخر .
( هم )
لماذا سلالهم فارغة !
لاموطئ روح لأجسادهم
المتخمة بالظلام !
يقول عنها محمد وحيد علي في مقدمة مجموعتها(إشتعالات مغتربة ) إذا كانت الغربة بمفهومها المكاني والروحي قد وسمت بقصائدها هذه المجموعة . فلأنها كما في مجموعاتها الأخرى تحقق إنتصارا ً على هذه الغربة بقوة الشعر ، فالشعر قوة جارحة في الروح والحياة وهو فعل وزلزلة للسائد والمكرس من التراكمات المقولبة للعقل والروح ، ومن هذه تحاصرنا الشاعرة إباء بعلاتنا التي إشتغلت عليها الشاعرة بحسية عالية وحتى لا تفلت من محيطنا وبيئتنا الإغترابية فتصدت بكل محاولاتها لإصطياد لحظات إنسانية صبتها في قالب شعري معبر ولغة مكتنزة ، لتعرية كل ما هو زائف ، ومصطنع ، والإقتراب من كل ما هو حقيقي:
قماش الذات
هش جدا ً
وقابل للتمزق
إذا نحن
تمسكنا بخيوطه فقط !
يذكر أن الديوان الذي صدر مؤخرا ً عن دار المرساة للطباعة والنشر في سوريا يقع في 107 صفحة وهو من القطع المتوسط .
قاسم ماضي
كتب في قسم: فضاءات نقدية | لا توجد تعليقات | 3٬784 views