الصحفي العراقي د. محمد العبيدي يكتب ..
يناير 31st, 2009 بواسطة إباء اسماعيل
الشاعرة السورية إباء إسماعيل .. قصائد مكثفة الدلالات
دمشق -د. محمد العبيدي
مَنْ أشعلَ،
في جسدي النّارَ
ومَنْ أشْعلَ،
في النارِ الماءْ؟!…
ها أنذا… نورسةٌ ولْهى،
أتدلّى كالثمرِ النابتِ
احرص دائما على عدم الكتابة في مجال غير تخصصي ، إلا أني أرى الشعر الذي وجدته مدخلا للإبلاغ في الفنون عامة ، وبالإمكان التوصل من خلال الشعر إلى بنية المجتمع ، وان كان هذا موقفا فلسفيا وانعكاسا واضحا ، للطبيعة الحياتية ذات التأثيرات البيئية التي تتمتع بها الشاعرة (( إباء إسماعيل)) أرى أن موضوع القصائد والكم الهائل من نتاجاتها كانت الغاية الأدائية مطلوبة في ان تحدد الشكل بالمفهوم نفسه ولا تخرج، بعناصر فوق الواقع بالرغم من عوامل الضغط ، التي وجدت فيها خلق نوع من التواصل مع المتلقي .
والأبيات أعلاه هو عملية تقصي لمثال أريد أن أوضح من خلالها الخطاب البصري وتالف العلاقات الفاعلة التي ابتعدت فيها عن التخطيط الذاتي (( البحر والنار))
(( من تشعل)) (( الجسد)) أم النار ، هذه الكلمات ماهي إلا وليدة لأنظمة فكرية نازعة من ضغوطات بيئية مؤداه بصورة مؤسسة ومطورة ، تمتعت بها الشاعرة بأفكار الفعل الجمعي الذي يبث رسائل بصرية (( بحر، نار ، جسد ، نورسه ))
كلها مجموعة اضاءات تخاطب بها الفكر الجمعي ، ولكن أريد أن احدد رأي هو وجود تمثيل تأولي مكتشف تجاوزت فيه الواقع ، لكنها لاتعرف الاختزال ولا التحوير، وهي بذلك قدمت منظومة تواصلية لقصائد أخرى مثل:
هواجسٌ في زمن الصّقيع
فجْري نفحتْ خدوده قيثارة
جذوري شربتْ أنفاس أيولوس
أيولوس:
قيثارتكَ واحة صوتي
شفتاك سيمفونيّة أحلامي
وأنت شعاع شمسي الدّاخلة
في اشتعالك
أيولوس
أسماؤك اخضرار المطر،
اشتعال الموج
نلاحظ المعرفة التراكمية ، والخبرة والتخزين الفكري بالمستوى العقلي ، وسع وظيفة الإبلاغ بشكل واضح ولكنها تلازم النقل المباشر ولازالت (( اشتعالات الأمواج))
موجودة وهذا جزء من واقع تستدعي الشاعرة في قصائدها كونها تريد أن تحرك الصورة السابقة مع الصور اللاحقة في ذاكرة معتمدة على خزن وتوثيق الأفكار باعتبار ان نتاجاتها ، يبقي من تشكيل العلاقة بين ماهو واقعي محسوس ، وما بين التأمل الذي هو الآخر لايتخلى عن الاختزال والتبسيط والتحوير ، في معالم القصيدة التالية:
في قصيدة البحر الصاخب بالضوء
لم النار في دمائك…
تبقى تعتمد رسالة البث في الخطاب البصري (( للبحر)) ولكنها الآن بدأت تختزل وتجرد وتزيل الزوائد لكي تبلغ نوعا من قصدية الكلام، وتسعى للتخلص من نظام صوري فرضتها القصيدة عليها وهذه شباك الصياد الواقعية عندما تصطاد الحيتان
هنا ربما أخذت تفوق حدود الشكل الواقعي ولكن المضمون الفكري باق يتعامل معه المتلقي ضمن وعاء الأفكار المقدم من الشاعرة.
من دوائر أمواجك
إذ ترتدي عباءة الكون
عبر أنفاس الزّمن
عبر عصور الماء
والحبِّ ،
أنسج خلايا أنفاسي
وينتفضُ رأسي المولع
بصُوَرِكَ البحريّة
لأرى لؤلؤ ملامحي
في أصداف ِ موسيقاك ….
وَتناغُمَ أحرفي
في قلبي المرتفع
نحو سمائك ……
هنا بدا الإبلاغ يتحقق ولكن بدلالة حركة الأمواج لكي تحدد هدف النتاج ولاسيما الشعر كلام وبناء ضمن أسس متينة للوصول الى سطح الخطاب البصري، الشاعرة أخذت ترتبط بعلاقات من وحدة إلى أخرى (( الأمواج )) (( اللؤلؤ )) (( الأصداف ))
ويبقى (( البحر )) يفرض خصوصية المكان ولكن هذه المرة ، بمضامين الرسالة التي ميزت وفردت البيئة (( الماء ، الكون ، القلب، السماء)) هذه استعارات بيئية هيمنت على القصيدة وخضعت لفحص الخطاب البصري لتكشف من خلال النتائج الدور الإبداعي في المضامين التي عبرت عن خصوصية الطبيعة، من خلال هذا الربط في المفردات ، وجدت الشاعرة أبلاغات رمزية جاهزة وعملية الإلصاق هنا عانت التكرار وخصوصا عند سرد الأحداث .
تكرار الوحدات المتشابهة موجود في كل القصائد ، ولكنه ضمن مساحات معينة ، بما يؤدي إلى تأكيد المعنى وتزايد وقوة وسلطة الموضوع الذي تقدمه الشاعرة كخطاب بصري تعمدت في كثير من الأحايين ، التتابع التكراري مطلوب ولكن لابد من ان يكون التكرار منتظما.