قراءة نقدية في قصيدة ( صوتان)
فبراير 6th, 2010 بواسطة إباء اسماعيل
محمد الهادي مرتضى/
شاعر لبناني يقيم في ساحل العاج
لكأن ذرات الصدى
صارت مياهكَ،
ترشح النار التي تسقي دمايْ!!…
كم تصر شاعرتنا القديرة هنا على ارتشاف الحبيب قطرة قطرة وذرة ذرة
ومع كل ذلك الانتشاء لا تلبث أن تستفيق من نشوة لتوغل في أخرى ضاربة في أغوار التجربة الحلوة المرة في آن ولا عجب فلولا المرارة لم تعرف طعم المرارة ولولا الأسى المختزن في الوجدان لما رشحت المياه ناراً شهية تسقي الدماء.
تهفو رؤايَ إلى رؤاكَ بهيّة
لكنني أبقى السجينة
في متاهاتِ الغبارْ ! …..
عند اول وهلة وبين كلمتي ( متاهات ) و ( الغبار ) يتراءى لنا ان الكلمة التالية لا بد وان تكون ( المدار ) تماشياً مع انسياق النص الا ان شاعرتنا هنا تصر على الاعتماد على عنصر المفاجأة المغايرة للتوقع مما يحدث وقعاً أكبر للمفردة غير المتوقعة يبقى صداها يتردد في اجزاء النص التالية.
لكن المفاجأة الأكبر هنا ان شاعرتنا تعود للإصرار على ذلك الوقع لتجعل له أصداءه المدوية في آفاق النص فلنتفحص ما الذي جاء بعد ذلك الوقع :
صوتي وصوتكَ
كالصدى والصوتِ
إذ يتعانقان مدىً
وأغنية
على عشبِ النهارْ ! …
الا يقطع الشك باليقين (هذا الجزء من النص التالي مباشرة لذلك الوقع) ايغال الشاعرة في ايصال أصداء الوقع الى أبعاد ومقاييس أرحب وأشمل.
وتتابع شاعرتنا هنا الاصرار على منهجيتها النصية هذه وأصدائها المدوية التي تصر ان تجدد لها اوسع الآفاق فتقول :
فتح المدى
وأثارَ ضوءاً من دمائكَ
كالغزالْ …
ففتحت المدى على مصراعيه هنا لذلك الوقع التي ارادت له ان يتوالد في نفثاتها اللاحقة حتى الرمق الأخير
ثم تعود الى احياء نفس المنهجية النصية السابقة بعد ان ادركت انها قد استنفدت كل مختزنات الوقع لتجدد وقعاً جديداً أكبر تأثيراً وايغالاً في صدى آلت الا ان تشربه حتى الثمالة .
فتحت المدى للوقع الأول وأثارت وقعاً جديداً قافزاً في أبعاد مختلفة ومتجانسة في آن ويتجلى ذلك في الايحاءات الكبيرة التي يكتنزها تعبير
( كالغزال ) هنا خاصة . هذا بالاضافة الى تلك الصورة الخفية والبصمة الواضحة التي كانت مفردة ( دمائك ) قد تركتها فتأتي لفظة الغزال
لتحتمل كل ما سبقها منذ ولادة الوقع الأول في النص اضافة الى ما اكتنزته اللفظة ذاتها من دلالات تكاد لا تحصى وبوجه خاص انها جاءت مباشرة لمعنى ( وأثار ضوءاً من دمائك ) فاحتملت لفظة الغزال هنا كل ما سبقها من صور النص وتكثيفاته وايغالاته قافزة بكل اتجاهات المعنى لتكون بمثابة الانفجار .
وبعد كل هذا السكر والهيام لم تكتفِ شاعرتنا الرقيقة هنا بكل ما أحدثته فلا بد بعد كل هذا من توظيف ذكي متقن لكل ذلك الحشد من جيوش المعنى الجرارة التي كثفتها لنا حتى تحولها الى طاقة تجسيدية للا محدود المعنى او مطلقه فقالت :
فلربما للأذن عينٌ
كي ترى عينَ الصدى
اذن استطاعت ببراعة ان تكثف المعاني لتصل الى نتيجة تجسيدية لها فجعلت للصدى عيناً وجسداً بل وروحاً و ………
لكنها لم تغفل ان توظف أيضاً هذا التجسيد في خدمة ما تريد ان تصل اليه فقالت :
وترى الغيابْ ! ……
لتدفع من رؤانا وحشة المنفى
وأهوالَ اليبابْ ! ! …..