آراء في واقع الشعر العربي/ استطلاع صحيفة تشرين السورية
ديسمبر 12th, 2013 بواسطة إباء اسماعيل
http://tishreen.news.sy/tishreen/public/read/304387
أجرى الاستطلاع:
الصحفي والشاعر السوري : سمير المحمود
طالما كان الشعر العربي عبر تاريخه العريق له الصدارة في كل المحافل وفي كل المجالس وحتى عبر الدول والممالك،
وكان الشاعر هو ذاته السفير والناطق الإعلامي والرسمي أحياناً بلسان حال قومه وأمته، وأحياناً الموجّه والحكيم والمربّي… بل أخذ الشعر أبعد من ذلك حتى أن الشاعر المتميز كان بمنزلة الشغل الشاغل للناس بما يقول وما يدلي به من تصريحات على كل الصعد تأخذ شكل قصائد… وكل تلك التصريحات كان يتم تداولها شعراً كما أخرجت… وانطلاقاً من هذه القيمة الحضارية العالية والكبيرة التي كان الشعر متربعاً على عرشها كان لصحيفة (تشرين) هذا الاستطلاع لعدد من الآراء التي تقاطعت جميعها في هدفها المتمثل بالسعي للارتقاء بهذا الفن الإنساني الراقي وتفاوتت إلى حدّ ما من حيث الرؤية لدوره سواء كان من حيث الفاعلية أو من حيث الحضور… وقد كان المحور الذي يدور في فلكه الاستطلاع هو واقع الشعر العربي ودوره أمام ما يواجهه العالم العربي من تحديات…
الشاعرة السورية (إباء إسماعيل) تقول:
أنا أيضاً أقف موقف المتسائل الحائر الباحث عن إجابة واحدة ولكن للأسف، لا يوجد، إنْ كنتُ أرى واقعنا الحالي معقَّداً سوريالياً بكل أبعاده، فهذا ينطبق على واقع الشعر العربي أيضاً.. حين يسبق الواقعُ الخيالَ في عبثيته.. هل هو في حالة تشرذم؟ تفكُّك؟ تحزُّب؟ انفلات؟ تقزيم؟ انهزامية؟ تحرُّر مأزوم؟ ضياع؟ إعادة تكوين؟ اغتِراب وطني؟ مقاومة للخروج من شرنقة ما؟ هل نحن أمام إرهاصات جديدة أمام واقع جديد سيستثمره الجيل الجديد من الشعراء القادمين كي يرسموا خريطة واقع شعري مختلِف وفقاً لتجاربهم التي عاشوها أو التي يحلمون بها؟!! ومَن الذي سيأخذ بيدهم إلى ذلك العالَم؟!!.. أحلم أن يكون هذا لخير الأدب وخير الشِّعر وخير الوطن، لستُ أدري، أخشى ما أخشاه أن يأتي الجيل الجديد من الشعراء بقيمٍ لا تُشبه الشعر بقيمه ونقائه. أخشى ما أخشاه أن يبحث كل شاعر عما يشبهه من الشعراء لا في إبداعه وسمو عطائه بل من خلال ما يؤمن به من أيديولوجيات مشوّهة رسَّخها المخرّبون الغرباء في أرواحهم، وهذا بعض سواد هواجسي وحسب، ومازلتُ أرى أنَّ الشعر والشاعر الحقيقي هو الذي لا يمكن تخريبه من الداخِل لأنه الأقوى والأبقى. ولاشكّ في أنّ في عالمنا العربي الكثير من الشعراء المُقاوِمين يتصدّون بشِعْرهم ومواقفهم لكل الهجمات الشرسة من فكر رجعي متخلف وحِراب غربية طامعة تستثمر عقول السذّج من الشباب العربي للانصياع لمخططاته كأدواتِ تحطيم الذات بالذات وقتل كل مقوِّمات وجودنا كعرب نملك حضارة عريقة وثقافات متنوعة وديانات سماوية سمحاء، التحدِّيات صعبة جداً ولكن إرادة المثقّف والمبدع العربي أقوى ولأنَّ صوت الحق والحقيقة هو الذي سينتصر بالنهاية.
فيما يؤكد الشاعر المغربي (إدريس الواغيش) في حديثه لنا أن حال الشعر العربي كحال شاعره، وحال شاعره كحال وطنه، ويتابع بالقول: إن العالم العربي يمر في أصعب الفترات في تاريخه. وهي فترة لم تكن لتفاجئنا، لأننا نعرف بأننا مستهدفون كعرب منذ زمن قديم، بقوميتنا وديننا وأقلياتنا وتاريخنا وجغرافيتنا من الماء إلى الماء، لكن يبقى حالنا كأغلب الأمم العظيمة، كلما تعرضت لهزة قد تسقط فيها أحياناً، لكنها حتما ستستفيق بعد ذلك، واقع الشعر العربي غير مطمئن، وعصر الأسماء الكبيرة (الماغوط – سميح القاسم – المجاطي – السرغيني – أمل دنقل – السياب – محمود درويش – أدونيس-…) قد بدأ عده التنازلي وبعضهم الآخر ترجل مبكراً عن حصانه، لكن البلاد العربية عودتنا أن تكون ولاّدة دائماً، كلما غابت أسماء ظهرت أخرى جديدة تتلألأ في سماء القصيدة العربية، وتعطي زخماً جديداً للمشهد الثقافي والسياسي في الوطن العربي، من خلال ما تبثه من نسائم في سمائنا، قاطعة بذلك الطريق أمام التجار- كل التجار- بمختلف بضاعتهم.
أما الشاعرة السورية (سوزان خليل) فتقول: على الرغم مما تواجهه المنطقة العربية من ظروف وتحديات صعبة جداً بيدَ أن الحركة الفكرية لم تتوقف أبداً لا الشاعر أقعدته الحرب عن الكتابة ولا الرسام كف عن الرسم ولا الأديب ترك الرواية برغم كل الظروف الراهنة القاسية… ودور الأدب والشعر بشكل عام يأتي من خلال تمتين العلاقة بين الشاعر والشارع، والشعر اليوم يمر في مرحلة خطرة حيث يواجه تحديات وعوامل كثيرة لا علاقة لها أبداً بالتطور والتنمية بل على العكس تماماً، ومن هنا يأتي دور الشاعر الريادي في التغلب عليها والعمل على تحريك عجلة الثقافة للأمام، الشاعر هو ساعي البريد الذي ينقل رسائل المجتمع على المستويات كلها هو الميكروفون الذي يرفع أصوات الناس عالياً والمرآة التي تعكس الصور الحقيقية بعيداً عن التزوير من هنا يأتي دوره.. في رصد الأحداث والتفاعل معها وكفرد من هذا المجتمع لا يقتصر دوره فقط على توثيق الحدث بل له الدور الرائد في حمل قضايا الناس والدفاع عنها، واللغة هي سلاحه الوحيد الذي يمتلكه ولاسيما أن تجربة الشاعر تتفق مع تجربة المتلقي والأدب يترجم قضايانا على المستويات كلها بأشكاله المتعددة سواء على شكل شعر أو قصة أو أي جنس أدبي آخر، والحرية في التعبير عامل مهم جداً لرفع المستوى الأدبي ولاسيما عندما يمتلك الأديب القدرة على التأثير في عرض قضاياه وتوظيف قدراته الإبداعية بطريقة فنية تعكس ما يريد أن يتحدث عنه بطريقة ينبّه بها عقلية القارئ وعاطفته…
ويرى الشاعر العراقي (سعد ياسين يوسف) أن واقع الشعر العربي اليوم يمر بتحديات عديدة منها ما يتعلق بتحديات تواجه الشاعر نفسه، حياته ووجوده، ويتابع بالقول: الكلمة المضيئة يبدو أنها باتت لا تروق للكثيرين فيسعون إلى إسكات صوت الشاعر بمختلف الوسائل.. ومنها ما يتعلق بإبداعه وكيفية وصوله إلى المتلقي.. ومع ذلك فإن راية الشعر تبقى عالية، بدليل الإصدارات الشعرية التي تتدفق عبر المطابع كل عام في مختلف أنحاء الوطن العربي والتي تشكل كثرتها تحدياً ثالثاً للشعر يتعلق بالنوع.. لكن ذائقة المتلقي ستكون على قدر كبير من الفرز… ويضيف: كبيرة هي التحديات التي تواجه الإنسان العربي في ظل المتغيرات التي نشهدها والتي تشكل زلزالاً لحياة الإنسان العربي المتطلع إلى الأمن والاستقرار والنهوض لا الخراب والدمار والظلام.
أما الشاعر السوري (نزيه صقر) فيقول: سأبقى متفائلاً ولو حَلُكت, سأتكلم بشكل مبسط وموجز عن الواقع العربي العام, نحن اليوم أمام مفترق طرق, إمّا أن نتمزّق وننكفئ عن المشهد ونغدو مشروع هنود حمر جدد أو نبني أوطاناً لها أهلية الحياة كبقية أمم الأرض.. المشهد كئيب وقاتم لكن لا يمكننا إلا أن ننشُد نوراً, لن أتكلم في السياسة لأنني غير معنيّ أو في عزلة، لكن رؤيتي أنقلها في أعمالي من يراجع ديواني الأخير بكاء النخيل يجد أنني نقلت هذا الواقع في كل خيباته وحذّرت من القادم بشكل صارخ ومفجع ومأساوي لكن حدث ما حدث لم يعد يفيد التحذير، التيار جرف الجميع وما علينا إلا أن نتقن التجديف لنصل إلى الشاطئ بأقل قدر من الخسارات حتى لا يضيع الجميع حين لا ينفع الندم.
يبقى الكاتب أو الشاعر العربي ابن هذا الواقع يحيا فيه ويشاركه همومه ومشكلاته وأحلامه هي مهمة مهما حاول الابتعاد أو الاقتراب هو البوصلة، وحسّاس المشهد يتجول فيه بكل منحنياته ومتعرجاته سلباً أو إيجاباً قدحاً أو مدحاً انجرف بتيار ما أو عاكسه، في هذا الواقع كيف أوّصف حال الشاعر العربي وحال الشعر العربي, هو حال متداخل لا يمكن لنا النظر للمأساة من جانب واحد من جانبها المظلم إلى النصف الفارغ ونبدأ الندب والتهويل هذا لا يفيد مهما كان حجم الخراب لا بد أن نعيد البناء… فالكتّاب والشعراء هم الطليعة وحذارِ أن يأخذهم اليأس أو التعب.
__________________________________________________________________________