الصحفي خالد بيومي يحاورني/ صحيفة روز اليوسف المصرية
مايو 7th, 2013 بواسطة إباء اسماعيل
الصحفي خالد بيومي يحاورني ..
نُشِر الحوار في صحيفة روز اليوسف المصرية بتاريخ 7 / أيار/ 2013
1- هاجرت إلى أمريكا منذ أكثر من ربع قرن .. هل كانت الهجرة إجبارية أم اختيارية ؟
لم أفكر يوماً بالهجرة . سافرتُ مع زوجي للدراسة على أمل العودة بعد عامين فقط ريثما ينهي دراسة الدكتوراة وأنهي دراسة الماجستير . انتهت المنحة الدراسية وكان لابد أن نؤمِّن مصروفنا لإكمال الدراسة مما اضطر زوجي للعمل.. مرت السنوات ،أنهينا دراستنا ومع تكوين الأسرة، كان من الصعب اختيار قرار العودة.
2- كيف تعاملت مع ثقافة المنفى ؟
علّمَني والدي منذ صغري الانفتاح على العالم الخارجي. واكتسبتُ منه هذا التوجُّه ، كانت ثقافته متنوعة وغزيرة . كنتُ أنهل الأدب من منابعه في مكتبته المكتنزة بكتب أدبية وروائية كأعمال طه حسين ونجيب محفوظ وأنيس منصور والمعري وجبران خليل جبران إلى الآداب العالمية من الجريمة والعقاب إلى أعمق كتب علم النفس المعروفة آنذاك. ثم دراستي في الأدب الانكليزي في سوريا، وإكمال الماجستير في الأدبين الانكليزي والأمريكي فيما بعد في الولايات المتحدة، مهَّدا لتكوين ذاتي الشاعرة، وتماذج الثقافات في وجداني وتداخلها في دراستي الأكاديمية، لم تترك لي مجالاً للإحساس فيما بعد، أنني أتعاطى مع الثقافة الأمريكية كثقافة منفى.
3- ماذا أعطاك المنفى وماذا أخذ منك ؟
أخذ مني أكثر من نصف عمري . أخذ قمري العربي وهو يضيء أسطح المنازل الحائرة كي تشرق في ذاتي براءة ” أوغاريت” وقدسية ” الأموي” وعيون” الشهباء ” التي تعلمتُ فيها أولى حروف اللغات وسطرت فيها بدايات القصائد وتركتُ في ركن حديقتها العامَّة تمثال أبي فراس الحمداني وطفولتي وأخوتي وأحبتي والمشاوير الطويلة.. أعطاني المنفى مساحة كونيّة صغيرة لأتحاورفيها مع الآخَر الغريب وأختبر صدمة الحضارة الحديثة بعد أن تكوَّنتْ في ذاتي حضارة عمرها آلاف الأعوام.
4- تكتبين شعر النثر والتفعيلة .. هل هذه نوع من المصالحة بين المدارس الشعرية ؟
أتعاطى مع الشِّعر كحالة جوّانيّة لا تسترضي رأي أحد من النقّاد بشكلٍ مسبق. ولاتسعى للمصالحة بين المدارس الشعرية. أفهم الابداع على أنه طاقة أو طاقات مخزونة واكتشافها هو الذي يوجِّه بوصلة المبدع ويحفِّز نتاجه الابداعي على فرض نفسه . قصيدة النثر كانت نتيجة طبيعية لتأثري بالأدب الأمريكي والانكليزي من ت .س اليوت إلى والت ويتمان وإيميلي ديكنسون وييتس وجيمس جويس وغيرهم . بدأت بالدخول إلى عالم الشعر العربي الحقيقي فيما بعد. ووجدت في مكتبة جامعة ميشغن الأمريكية قسم اللغة العربية في الدراسات العليا ضالتي المنشودة. بدأت بقراءة روّاد الشعر الحديث ابتداءً من السياب والبياتي ونزار قباني وصلاح عبد الصبور وليس انتهاءً بعبد المعطي حجازي و محمود درويش، بل عرَّجتُ على المتنبي والبحتري و أبي تمام و.. واكتشفت رغبتي وعشقي لموسيقا الشعر. قرأت كثيراً في كتب العروض والنقد الأدبي ووجدت ما أنشده في تلك المكتبة الضخمة. تعلمتُ العروض دون معلم بدأت أكتب شعر التفعيلة..تعثرت قليلاً في البداية ولكن شغفي بكتابة هذا الشعر، جعلني أكسر جميع الحواجز التي تقف في طريقي. لم أتخلَّ عن قصيدة النثر لأنها مرسَّخة على مايبدو ليس فقط بتكويني الثقافي التراكمي، بل بطبيعة عطائي الابداعي التلقائية.
5- لماذا الإصرار على كتابة الشعر رغم تراجع مكانته على المستوى العالمي بدليل ان معظم الفائزين بنوبل روائيين ؟
الشعر ليس مهنة، ليس قراراً يصدره أي انسان ليكون أو لايكون شاعراً. أنا لا أصرُّ أن أكون شاعرة ولكني لا أعرف أن أكون غير ذلك.. لم أفكّر قط بمعاني الجوائز وأهميتها . طموحي أن تصل قصيدتي كالهواء والماء نقية ومنتشره. أنا مثل جلجامش أبحث عن عشبة الخلود لبقاء القصيدة فيَّ ولبقاء قارئ الزمن اللامحدود في قصيدتي إلى الأبد..
6- ما المسافة التي تفصلك عن الثقافة العربية وأنتِ في المنفى ؟
لا يفصلني عنها سوى صعوبة الحصول على بعض الكتب والاصدارات الهامة الجديدة . لأنك كما تعلم، كتب الانترنيت محدودة ، وثقافة الانترنيت يصعب تخزينها في الذاكرة. الثقافة العربية تقيمُ فيَّ ولكنها تحتاج إلى نبع متجدد أستقي منه زادي اليومي .
7- كيف تتأملين ما يحدث في سوريا بعين الشاعرة ؟
أنا ذلك الطائر الذي يحلِّق في البعيد و لايراه أحد .. لكأنني زرقاء اليمامة. إليك بعض ماكتبتُ عام 2009 وأنا أستغرب من الهاجس المؤلم الذي كان يسكنني حينها ولمّا يحدث شيء بعد. أقول: ” آنَ لنا ،/ أن نختُمَ الأنباءَ والجراحْ / بقبلةٍ فوقَ التُّرابْ/ وقطرةٍ قد ساقها السَّحابْ / آنَ لنا أن نختمَ الليلَ/ بأنباء الصَّباحْ/ دمٌ .. دمٌ / فكيفَ يُسْتَباحْ؟!” . وأؤمن أنّ: ” ترتيلةُ الوطنِ الأبيِّ حمامةٌ / تشدو كمئذنةٍ / لكَي يأتي الحَمامْ؟! / ولَنا هُنا فجرٌ سيصحو/ مِن مَقابِرِ عتْمَةٍ/ ويُضيءُ أنفاسَ الظَّلامْ. وبعد ، مع سوريا، تحتار لغتي من أين توقظ فراشاتها النائمة تحت قافلة الدماء، والقافلة تبحث عن ملاذ. الكل يختبئ في زنزانةِ موازين القِوى والقطار ينتظر مثواه الأخيروالوطن يستيقظ يستيقظ . تُشكَّل له أجنحة من أرواحٍ غير مرئية. شيء يشبه الياسمين، يشبه وضوء العصافير في مياه الوطن. شيء غنيٌّ عن البيان لأنه أقوى من الاستعارات.. سيصحو في دم الشعوب ويكنز فراته ونيله ودجلته وصحاريه الشرقية والغربية ويهفو إلى مظلة الأبد.
8- كيف ينظر الأمريكان إلى ثورات الربيع العربي ؟
الشعب الأمريكي آخر همّه ” ثورات الربيع العربي” يفكِّر بيومه وبقوته اليومي وكل مايحدث داخل أمريكا فقط .. الأهم عنده أسعار البورصة والبنزين وأهم نصائح الدكتور أوز والعادات الصحية للرؤساء الأمريكان وتفجيرات بوسطن الأخيرة !! ..
يطرحون عليَّ في كثير من الأحيان بعض الأسئلة ويتعاطَون فيها من منطلَق انساني عاطفي لا أكثر وبمعلومات ضحلة غير واقعية في كثير من الأحيان عما يعرفونه عن الثورات العربية. طبعاً الميديا الأمريكية تلعب دورها في الحبكة الروائية الاخبارية . والمُشاهِد الأمريكي ليس لديه وقت للتحليل ولايهمه أصلاً.
9- هل تفكرين في العودة إلى سوريا مرة أخرى ؟
أصبح لي وطنان لايمكن أن أتخلى عن أيٍّ منهما .الزمن هو الذي يقرر عني هذه المرة أيضاً متى أعود وكيف!! . أعلم بأنني سأعود يوماً ما .. بعد أن تهدأ العاصفة، وتجف الدماء، ويخرج الأطفال إلى مدارسهم وإلى شوارعهم ليقطفوا ياسمين الشام ويزرعوا ابتساماتهم على مساحة وطنهم ” الكبير” بلا حدود تفصلهم عن براءتهم . سأعود وأحضن ذرات وطني الجريح وأعانق أمي الغائبة الحاضرة ..
10- تكتبين للاطفال .. ما مواصفات الكتابة للطفل في زمن الفضائيات وأفلام الكرتون ؟
يكفي أن يكون في أعماق الكاتب طفل حبيس يلح في الخروج إلى دائرة الضوء كي تزهر أحرفه وينشر أريجها على امتداد صفحات طفولته اللامحدودة. هذه العفوية ستصل إلى المتلقي الذي هو طفل أيضاً. وهنا يجب أن يقوم المبدع ” الكبير” الذي يلعب دور الطفل بأن يقدِّم جرعة مدهشة ومختلفة من الابداع والثقافة والمتعة أيضاً. في مجلات الأطفال الورقية والكتب التي تُنشَر فيها قصائد وقصص الأطفال أهمية كبيرة. تدفع للقراءة الذكيِّة ولتنمية مخيلتهم ليفكِّروا ويتفاعَلوا مع مايقرأون. كم أغنت مخيلتنا الطفولية يوماً مثلاً قصصُ المغامرين الخمسة وألغازهم و سلسلة قصص المكتبة الخضراء وألف ليلة وليلة . كل هذه الكلاسيكيات مازالت راسخة في أذهاننا حتى اللحظة. المشاهدة فقط تجعل الأطفال متلقين سلبيين يستمتعون بما يشاهدون وحسب ودون رقابة توجّه مايشاهدونه. وما أكثر المشاهد العنيفة التي تؤذي طفولتهم!
11- هل تختلف اهتمامات الطفل الامريكي عن اهتمامات الطفل العربي ؟
الطفل طفل في كل أنحاء العالم رغم اختلاف اللغات والثقافات ورغم اختلاف أنواع الألعاب أو درجة تطورها. كل الأطفال الذين عرفتهم عرباً أو أمريكان أو عرب أمريكان، يبحثون عما يدهشهم، يفرحهم، ويغذي في روحهم المعارف والثقافة ولذة الاكتشاف. يلعب هنا دور الأهل في توجيه هذه الرغبة لدى الأطفال حسب امكاناتهم المادية لتوفير مايحتاجه الطفل من ألعاب وكتب و.. والأهم من كل هذا الدور التربوي لتوجيه اهتمام الطفل لبناء الذات وليس هدمها.
حوار متميز بلغة شاعرية فائقة التوهج والروح المبدعة والاجوبة الدبلوماسية والذكية للشاعرة.