حواري مع الأديب والصحفي اللبناني أسعد الدندشلي
فبراير 9th, 2009 بواسطة إباء اسماعيل
لقاء ديوان العرب مع الصحفي والأديب اللبناني المغترب د. أسعد الدندشلي
خاص : ديوان العرب
أجرت الحوار : إباء اسماعيل
*…وفي ظل رائحة الموت والخيانة والهزيمة كنت أحاول أن أرفض الواقع المأزوم والمهزوم لبنانيا وعربيا، فوضعت راوية صغيرة أرشفت فيها للإجتياح الإسرائيلي للبنان.
** إنَّ عملية الإبداع عند الكتاب اللبنانيين قائمة ولكنها على نحو غير مرئي، فهي الآن تعيش مرحلة إختزان عميقة لكل اشكال التجارب والمحن والمآسي التي يتسبب بها المعنيون ممن بيدهم في هذه الحقبة مقدرات البلاد…
* د. أسعد الدندشلي
عرفته من خلال حضوره جميع الأمسيات الأدبية والندوات الثقافية في ولاية ميتشغن الأمريكية حيثُ يقوم بتغطيتها في صحيفة ( المنتدى والوسيط) التي يرأس تحريرها و تصدر في ولاية ميتشغن الأمريكية باللغتين العربية والانكليزية. ويترك حضوره الدائم بصمةً لافته في أسئلته الحاذقة الكثيرة. ومقالاته الفكرية العميقة، في بحثٍ دؤوب عن الحقيقة بجرأة وصدق.
1- بين عالم التدريس والعمل الصحفي مسافة زمانية، مكانية ، تجارب .. وغربة.
كيف تمكنت من السباحة في خضمّ كل هذه الأمواج ؟ وإلى أين تود الوصول؟!!
* لقد بدأت خطواتي الأولى في عالم التدريس من المرحلة الإبتدائية في العام 1972 وأنا في السنة الأولى الجامعية، وتدرجت فيما بعد إلى التعليم في بقية المراحل وصولا إلى الجامعة، بعد نيلي شهادة الدكتوراة، في علم النفس، وبالنسبة لتوجهي إلى إلصحافة، لم تكن هناك مسافة زمنية بعيدة بين جمعي بينها ومهنة التعليم. فبعد ثلاث سنوات فقط من انخراطي في سلك التعليم، أي في العام 1975 انطلقت باتجاه العمل الصحفي، ومنذ ذلك التاريخ، جمعت بين هذين العالمين ليصيرا بالنسبة لي عالما واحدا شكلا فيما بعد ايقاعية وعيي اليومي ، توقفت عن العمل الصحفي لبعض الوقت لانعدام وجود صحافة في أنتيغوا، وفي نيويورك عدت ثانية إلى العمل الصحفي ومازلت حتى الآن….
لقد تكامل العالمان التعليمي والصحفي في نفسي وتعايشا فيّ قرابة الـ 24 سنة متواصلة، نجحت خلالها بالتوفيق والتكامل بينهما، ولم أترك واحدة تؤثر على الأخرى، أوتلغيها أو حتى تؤثر عليها، لجهة السبق أو الأفضلية، وكان لتنظيم الوقت وتعاملي معه بجدية وبصدق وأمانة،الفضل في الإستمرارية معهما بنجاح، بل وصرت بعد فترة زمنية أدرك أهمية التواصل والإختزان المعلوماتي الذي توفره كل منهما للأخرى، وفي المحصلة النهائية ما كسبته بالطبع من خبرة وسعة إطلاع شكلا لي معينا معرفيا أعتز به… أما عن ذكرياتي الموجعة في العمل الصحفي والسياسي يكفي أن أشير إلى أنني تعرضت لثلاث محاولات إغتيال، الأولى كانت في العام 1976 وقُتِل في المحاولة هذه رفيق لي، والمحاولتان اللاحقتان كانتا في طرابلس بين عامَي 1983 – والعام 1986 كما وتعرضت أيضا للملاحقة من تنظيمات متزمته دينيا، ومن قوى سياسية فاعلة، فهُجّرت من بيتي، ولكني بقيت على ما أنا عليه بل ازددت قناعة بمواصلة عملي الصحفي واحترافي الشأن السياسي، وهذا ما دفع بي لأن أترشح إلى الإنتخابات البرلمانية، على الرغم من معرفتي المسبقة لخسارتي في تلك الإنتخابات، ولكني كنت مقتنعا أن ما أقدمت عليه كان يشكل استمرارا لمبادئي السياسية والقيم التي ناضلت في سبيلها منذ ريعان شبابي على الرغم من كل أشكال الظروف والوقائع المثبطة والمحبطة لعزائم الكثيرين من المناضلين، لكن الأمل الوطني كان يحدوني دائما في أن نصل يوما بوطننا الذي كان يذبح يوميا في حرب آهلية آثمة إلى الأمان والإستقرار، لكني وجدت أنني بقيت وحيدا مع مبادئي ومواقفي. وأحسست أني خسرت كل شيء، بيتي وأهلي وأحلامي الوطنية، وأن الحصار اشتد عليّ حتى مالياً، وأمام رفضي ونبذي لحالة العجز التي شارفت على هاويتها فعلا! كان علي أن أُقدم على أقسى قرار اتخذته في حياتي والذي ترجمته عملياً بقذف جسدي خارج لبنان، وإلزام روحي قسرا على الرحيل، وهذا ما لم أكن افكر فيه يوما في حياتي، ولأبدأ رحلة الإغتراب، التي ستستمر طالما أنا حيّ على ما يبدو!….
2- كتابة الرواية هي واحدة من اهتماماتك المتعددة. لماذا لم تقدّم الكثير على هذا الصعيد؟ لماذا لم تركِّز على هذا الجانب الابداعي الهام ؟!
* الرواية هي من أهم النواحي الإبداعية التي أجلّها، وتحتل في نفسي قدسية جمالية خاصة، فالعمل الروائي الناجح لا يقتصر على كونه حالة إبداعية وحسب، وإنما حالة وجدانية متكاملة، تتضافر فيه أسمى معاني التجربة الإنسانية لأنها توفر الزمان والمكان والبيئة لحياة الحدث فيها، والراوي هو الخالق، المبدع المنظم،الذي يدير كونه هذا وعالمه هذا بخيره وشره، بسعادته وشقائه، بحيويته وسقمه ومن ثم موته، عندما تراجع العمل الروائي في عصرنا، تراجعت أمور كثيرة في وجداننا وتلاشت مسائل قيمية ومعيارية أخلاقية إنسانية، لصالح أمور سيئة أخرى، هذا حالنا في العالم العربي وهذا هو الحال في روسيا وأوروبا وبقية بلدان العالم…
وفي جانب آخر، على الرغم من تقديري واهتمامي لموقع الراوية وعشقي لدخول عالمها، فإن حياتي كانت مشحونة بالحركة الدؤوبة في ملاحقة أحداث وطني – لبنان- الذي كان يعيش على غير المألوف من السلام والأمان والإستقرار المعروف في حياة الدول والشعوب، لقد عشت حرب لبنان الأهلية لحظة بلحظة في الحدث الصحفي، وفي معاناة وواقع الحياة اليومية للمواطنين، وفي ظل جولات حروبها البشعة، وشهدت الخطف والقتل والصراع الطائفي والمذهبي والسياسي، وفي ظل رائحة الموت والخيانة والهزيمة كنت أحاول أن أرفض الواقع المأزوم والمهزوم لبنانيا وعربيا، فوضعت راوية صغيرة أرشفت فيها للإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 فكانت راوية ” الصمت” – دار الفارابي- بيروت – التي كتبتها وأصدرتها بعد أقل من عام على ذاك الإجتياح وسقوط بيروت كأول عاصمة عربية بعد أن وطد الكيان الصهيوني دولته على أرض فلسطين، والجدير ذكره أن رواية “الصمت” كانت عملي الثاني بعد أن كنت قد وضعت كتابا حول المقارنة الفلسفية تحت عنوان “المقرر في الفلسفة اليونانية والإسلامية”- طرابلس، وبالعودة للحديث عن العمل السياسي وجدت نفسي أنخرط في الشأن السياسي على نحو أعمق وأن يتبلور طموحي وينمو باتجاه مشاركة فعلية في الحياة البرلمانية من روحية المبادىء والقيم والوقت والمعاناة التي أعيشها مع الناس، علما أن العمل السياسي ليس جديدا عليّ، فمنذ أن كنت في السنوات الأخيرة من مرحلة التعليم الثانوي، وأنا أناضل في صفوف حزب يساري يكافح ضد الطائفية والمذهبية والإقطاعيات العشائرية والسياسية التي هي في صلب التركيبة اللبنانية وهي بالتالي كانت في صلب أسباب تفجر الحرب الأهلية، ونتيجة تطورات وظروف ومواقف استجدت في مواقف الحزب، وجدتها مغايرة لقناعاتي التي عرفتها بالحزب الذي اخترته وناضلت في صفوفه لأكثر من 25 سنة، فقدّمت استقالتي من الحزب، ولكن لم أستقل من نضالي في الدفاع عن لبنان الواحد ولبنان المؤسسات ولبنان الوطن والمواطنية. هذه المسائل التي استمرت تتفاعل في داخلي حتى يومي هذا لأن إسقاطها من وعي أي لبناني سواء أكان سياسيا هذا اللبناني أو ناشطا مدنيا حزبيا ثقافيا اجتماعيا أو مواطنا عاديا، تعني استمرار محنة لبنان، كما وأن هذه المسائل جمعيها لم تترك لي هدأة ولا سكينة إلى الولوج إلى عالم الرواية، فكان تأخري في عدم حجزي لمقعد في حاضرة الرواية، على كل ورغم افتقاري للوقت الآن ولضرورات معيشية بحتة في دنيا اغترابي، شارفت على انجاز 90% من راويتي التي وضعت لها عنوان: “بيت لا ينام!” وآمل نشرها السنة القادمة علّها تحقق لي راحة نفسية ترضي جانباً من طموحاتي في هذا الميدان الرائع …
3 – هل هناك هوّة ما برأيك، تفصل مابين العقل العربي والخطاب السياسي أم ماذا؟ وماهي الركيزة الأساسية الجديدة التي يطرحها كتابك القادم الذي يحمل هذا العنوان
( العقل العربي والخطاب السياسي)؟
الخطاب السياسي تحديدا هو نتاج التراكمات والممحاكات والتجارب السلوكية والنفسية والمعرفية والتاريخية التي تصالحت أو ما تزال تتصالح أو تنافرت أو ما تزال تتنافر لتكوّّن ذهنية معينة أو عقلا ما، وعلى ضوء هذا أجد ذهنيتنا العربية أو العقلية العربية المعاصرة تعيش حالة من القصور تنعكس على خطابها السياسي وتبقيه معاقا مقعدا عن متابعة نموه الشرطي التاريخي ، وعندما أقول العقل العربي فهذا خلاصة التجربة حتى اللحظة المعاشة أو المحصلة التي لم تكتمل نتائجها حتى اللحظة المعاشة، في تشابك عمليات الوعي وتداخلها لمفاهيم حياتية أو فلسفية أو عقائدية أو قيمية أو سلوكية من فردية أو اجتماعية ناجمة عن حالات دينية بالنسبة للعقلية العربية خاصة أولمفاهيم عن السلطة بأشكالها المختلفة من الحالة الأسرية إلى القبلية إلى وإلى حتى ومفهوم الدولة التي يعيش في ظل قوانينها، مع تفاعل المسائل : الإجتماعية والإقتصادية والسلوكية والعادات والأعراف والتقاليد التي تتزاوج فيما بينها طوعا أو قسرا (الوعي واللاوعي) في مختلف المراحل التاريخية وظروفها المادية وأحداثها العاصفة أو ما مر به من ركود فكري وعقود استعمارية ومن ثم ما يعيشه حاضرا، من حالات قطرية وقومية وأممية، وهذه جميعها من العوامل المشكلة برأيي لبنية العقل ومن ثم لشخصانية هذا العربي وسلوكه عبر شخصية ، تضج في مخيلتها، تلك العوامل المتفاعلة سلبا أو إيجابا لتكوّن في النهاية خطابنا السياسي. فالعقل هو اختزان كل هذه التجارب ومن ثم انعكاسها وتجلياتها بعدة صور ومراحل : من موقف أو لا موقف ،التصالح والتكيّف، أوالعزلة و الإنتظار أو حالة الإنتظار السلبية التي تندرج حالة أشبه بالهدنة التي يفرضها العقل إزاء المتغيرات السريعة والكبيرة في عالمنا الإنساني الكبير التي خرجت عن إدراكاته وبالتالي عن تفسيرها والتكيف معهأ، فانقسم ازاءها بين مبارك مهلل ومشجع من خارج الدائرة دون أن يقدم جهدا أو بين متفرج ومستهلك وأحيانا بين مخاصم ومعاد وهي تلك الحالات الأسوأ ، لانها تعني الصراع والرفض ، والتي توصل لحالات الإنعدامية وما تلزمها على مريديها من سلوكيات عدوانية إزاء مسائل الحضارة والفكر والآخر… لذا، نجد الخطاب السياسي العربي عاجزا عن محاكاة وملامسة قضايا مصيرية حياتية بواقعية وبصدق عاجزا مثل : مفاهيم : الدين ، وقضايا السلطة ومفهوم الدولة ومفهوم الحرية الفردية ومفهوم المواطنية ، والإنسانية …
الهوة كبيرة بين العقل العربي وخطابه الناجم عنه من جهة ، وبين مفاهيم وقيم هي في داخله من جهة ثانية، لو سارع في وقت ما لإشباع قيمه لتمكن من المصالحة مع ذاته ومع سلوكه و لما كانت تشكل له تلك الإعاقة القائمة في بنيته اليوم وفي اضطراباته وترهصاته وضياعه: بين ما هو عليه حقا وبين ما ينبغي أن يكون عليه ! والسبب أنه لم يفهمها أو يدرك ماهيتها ليستخلص منها حكما سلوكيا أو معيارا قيميا ، بل ظلت غريبة عنه تعيش كفطريات، أضحت تضنيه وفي الوقت نفسه صار هذا العقل يعيش حالة من المعاناة والغربة أيضا مع أبعاد كونية وحضارية وأممية إنسانية تعيش حوله وتحاصره…
4- تكتب النص المفتوح كما أسميته، على ماذا هو مفتوح؟ وماهو طموحك في خوض هذه التجربة ؟
* النص المفتوح الذي عنونته تحت إسم : “لنبدأ من جديد..!” تجربة كتابية وجدانية مشحونة بخواطر من خليط تزواجت فيه مشاعري الوطنية والإجتماعية والإنسانية في رحاب انعكاساتي النفسية، لذا فالخاطرة الوجدانية عندي تجربة صادقة عميقة وعميقة، وليست مجرد أفكار هائمة ومشاعر تائهة، أنا أدوّن فيها لحظات اختلاجات وانعكاسات لعالمي الباطني بكل ارتعاشاته ومعاناته الفرحة أو الحزينة، وإن كان الحزن هو الأقوى وهو الغالب بسبب ماأعيشه كإنسان من هجرة وغربة واحتلالات لأوطان وحروب ومجاعات وأوبئة وظلم وفقدان للحقوق واستخدام العنف في عالم بشري شامل، فمن هذا العالم تلد وتنبثق خواطري، تخطر صورها متتالية إلى فكري الذي يصيّرها حروفا وكلمات وفقرات حرة لا يحدّها قيد ولا وزن ولا عرف كتابي. إنني هنا أشعر بحريتي المطلقة كما هي نفسي الطليقة في داخلي، فلم أختر الشعر قالبا لخواطري هذه، وكما وأني ابتعدت عن مفهوم النص النثري المتعارف عليه، وفضلت ماأسميه النص المفتوح على كل شيء من الإيقاع والنغم والصورة والقافية وغيرها من فنون الكلام وبيانه وبديعه. أترك نفسي على سجيتها تتلبس صورها كما قلت، بحروف وكلمات تتدفق منها موحيات المعاني والأفكار. كل منا أدرى بنفسه إن أراد أن يكون داريا وملمّا بها، إذ أن الكثيرين لا يأبهون لما يجري في أعماقهم ولا يتصالحون حتى مع أنفسهم، المهم أنني أحرص على أن تبقى نفسي حرة في طلعاتها وتوثباتها وجراحاتها وأفراحها وهمساتها وحواراتها، لا أن أبقيها سجينة وأسيرة كما هو حالها عندما تطفو خارجا لتتلاقي هناك بحدود المصطلحات والأعراف والتقاليد وبالأشياء الأخرى… لذلك أنا لا أستغرب تعليقات العديدين من قراء معلقتي على خواطري هذه طالبين مني ألا أسميها خواطر لأنهم رأوها أعمق من مصطلح أو مفهوم الخاطرة كما قالوا لي، فهم أعتادوا أن يروا في الخاطرة أو الخواطر صفات البساطة والشفافية، وليس العمق والتجذّر والترسّخ في محاكاة النفس، أو نقل تجاربها ومعاناتها كما أفعل…
ففي نصي المفتوح على خواطر وجدانية، أترجم الحالات التي عشتها وأعيشها، ومن يحب أو من يهتم يمكنه أن يطلع على النص المفتوح الذي عنونته تحت اسم : لنبدأ من جديد…! وقد نشرته على مقاطع مرقّمة، على موقع مدونة مكتوب وعنوان مدوّنتي الخاصة هو:
Aldandachli.maktoobblog.com
ويمكن لأي شخص مهتم أن يطلع عليه من خلال الإنترنيت
5- الساحة العربية ممتلئة بمطربين لبنانيين، في حين نلاحظ غياباً واضحاً في الأدب والفكر اللبناني . لماذا برأيك تراجع دور الإبداع اللبناني في المشهد الثقافي العربي؟
* حتى لا أظلم الكتاب اللبنانيين وحتى لا أمس حرمة وقداسة محرابهم الإبداعي، ونحن نعرف وطن جبران ونعيمه وعقل وقوافل الشعراء والكتاب الكثر الكثر، علينا أن نتوقف عند أسباب هذا الضمور وهذه الكبوة التي يعيشها لبنان. الشاعر والكاتب هو ابن بيئته، والبيئة اليوم غير سليمة وغير معافاة، فعندما خيم عصر الإنحطاط على الأمة العربية رأينا بيادر وثمار تلك المرحلة وما أفرزته، برأيي ورأيي الشخصي البحت إنَّ عملية الإبداع عند الكتاب اللبنانيين قائمة ولكنها على نحو غير مرئي، فهي الآن تعيش مرحلة إختزان عميقة لكل اشكال التجارب والمحن والمآسي التي يتسبب بها المعنيون ممن بيدهم في هذه الحقبة مقدرات البلاد، هذا من جهة، إلى جانب مسألة أخرى هي القصور الذاتي لهؤلاء الكتاب المبدعين في ممانعاتهم الذاتية التي أملت عليهم عدم مواجهة هذا السأم، ومن ثم عدم الدخول إلى حلبة الصراع مع الإحباط، وهم يرون بعض رفاق دربهم من الكتاب الذين اختاروا المواجهة ولكن ضمن استراتيجية الكتابات المعلبة والموجهة من فوق، ضدهم وضد الوطن، فالإبداع يحتاج لكاتب ينغمس في ذاته، في جوهره، في سكينة خالصة من النقاء، المؤامرة تستهدف لبنان، وتقتلع منه كل معاني هذه القيم ومتفرعاتها التي يطول الحديث عنها…
أما مسألة المطربين اللبنانيين التي وردت في السؤال فهذا شأن آخر يختلف عن جوهر السؤال ويبتعد عن مسألة الإبداع ولا أستطيع أن أجد أية مقاربة بين الأمرين!… وظاهرة الإنفلات الغنائي الصاخب، وهذا الحشد والكمّ من المغنيين والمغنيات، إنما مردّه طبيعة الحالة القائمة ليس في لبنان فقط وإنما في الوطن العربي نفسه الذي يتلقف هذه الظاهرة ويشجعها ويحاكيها وإن كانت بنسب، بين هذا القطر أو ذاك… وأمنيتي أن تنقشع غبار حلبة مهرجان هذا الحفل الغنائي الذي يغطي الساحة اللبنانية والساحة العربية أيضا، عن بعض المطربين والمطربات الذين يلبسون وقار الكلمة وحشمتها وجمالها، وينولدون مع اللحن الذي يمكن حقا أن نسميه لحنا تسمعه النفس وتطيب له الروح، وتخلص له المشاعر الإنسانية الدافئة، لأن الموسيقى حضارة وحياة ورسالة، وليست مجرد جعجعة صاخبة، وفقاقيع، وشدّ أعصاب الحناجر والأوتار الصوتية، وتغليفها وتسويقها وتجميلها بما استجد من الآلات الموسيقية الحديثة المتطورة ، والتي إن شاءت في غفلة منا أن تحول نقيق الضفادع إلى سمفونية ساخرة ويا للأسف…
6- كلمات وأكثر.. ماهي البصمة التي تركتها في روحك؟
1- أنتيغوا؟!
* بلد صغير كان محطة اولى في رحلة أسفاري واغترابي تعلمت فيه اقسى دروس الغربة وأصعبها، فهو الرشفة الأولى من كأس تنضح بمرارة الذكريات التي صارت دروسا نافعة وعظيمة على قسوتها…وأعتقد أنني لن أنساها ما حييت!!
2- المنتدى والوسيط؟!
* محطة في مساري المهني، وواحدة تضاف إلى تجاربي في التعاطي بالشأن العام ولاسيما الإجتماعي والمهني والحرفي، في ديار الإغتراب، فأنا أروّض نفسي على التعلم وقبول الدورس الجديدة دائما، رغم تقدمي في العمر، فأنا مازلت أتعلم وسأبقى أتعلم، والشكر لله على قوة الصبر وإرادة المثابرة التي يمنحني إياها وفي الأوقات الحرجة …
3- دمعة لاتُقاوم؟!
* دمعة أولادي! ودموع صغار الفقراء!!
4- أهم شخصية عرفتها ؟!
* امرأة عاشت لأجل أولادها، في أقسى الظروف وأشدها إيلاما وقهرا، فكانت ربّة البيت كأب وكانت ربّته كأم في آن …هذه الشخصية هي أهم الشخصيات بل أقدسها وأطهرها! لأنها أعطت حياتها، ونثرتها على من حولها بكل مسؤولية وجرأة وحكمة وصبر …
5- لحظة سعادة لاتنسى
* هي اللحظة التي أصل فيها إلى نهاية مسألة تعاملت معها-أيا كانت هي النهاية- والبدء في تلمس مسألة جديدة أنطلق فيها، فبهذه الإستمرارية أشعر بفيض حيوية البقاء والوجود…
6- كلمة أخيرة؟!
* أشكرك جدا على وقتك، وعلى اهتمامك، وعلى دورك الذي تقومين به في ترحالنا واغترابنا. وفي معاناة وأنين قصائدك الشعرية الكثير من انعكاسات أوجاعنا، ففي هدأة تتيسر لنا في زحمة الوقت وعقاربه اللئيمة التي تنغرس في صدورنا، افتح ديوانا من شعرك، وأقرأ بعض القصائد، فأرى نفسي في ظل هذه القصيدة أو في فضاء تلك، فأشعر ان لي صحبة ولي رفقة طيبة رائعة، ولي امتدادات في ثنايا فكرية، ومساحات من ظلال النقاء والشفافية…
كما وأشكر القيّمين على “ديوان العرب” وأسرة تحريرها جميعا وإن كنت لا أعرفهم على عنايتهم، بالكشف عن مغمورين في ديار الإغتراب، يلتقطون أوجاعهم وحكاياهم، ينثرونها في مختلف الإتجاهات، لا لعظمة أو عبقرية بعض هؤلاء المحكى عنهم، أو لعطاءات الآخرين المتواضعة في ديار اغترابهم وحسب، ، بل لكون تلك الأوجاع جزءاً من انسانيتهم، ولمحات من مشاعرهم، وخفقات من تواصلهم، ونبضات من تراثهم الوطني والقومي، الذي مضى بعيدا في رحاب بعيدة، وجاءت عملية “ديوان العرب” في أثرهم، تسكب عليهم بعض الضوء في تيههم الموجع… أكرّر شكري وتقديري واحترامي والدعاء بالتوفيق بإذن الله لتحقيق أهدافكم المنشودة…
—————————————-
السيرة الذاتية لـلصحفي والأديب اللبناني المغترب د. أسعد الدندشلي
* نال شهادة الدكتوراه في علم النفس من جامعة نيس بفرنسا عام 1984
* أنهى دراسته الجامعية والماجستير في الجامعة اللبنانية في بيروت عام 1977
* من عام 1975- 1999 كتب وراسل العديد من وكالات الأنباء أبرزها : الأسوشيتدبرس : الأمريكية
A.P – رويتر: البريطانية – A.F.P الفرنسية.
* كتب العديد من المقالات الصحفية والمراسلات والمقابلات في الصحف اللبنانية والعربية : جريدة النهار – جريدة السفير – جريدة النداء – جريدة الحياة – جريدة الديار – أضواء البحرين – الحقيقة – صحيفة العرب.
* أسس مكتب طرابلس للصحافة والإعلام في العام .1975
* نشر وأصدر مجلة : نداء الشمال وكان رئيس تحريرها في طرابلس لبنان العام 1982
*عضو اتحاد الكتاب والصحفيين العرب اللبنانيين
* رئيس تحرير صحيفة المنتدى والوسيط الصادرة في ميتشغن/ أمريكا
* نال جائزة المرتبة الثانية عن أفضل مقال حول العدالة الإجتماعية في العام 2006 في منهاتن- نيويورك من:
Independent Press Association –IPA- Awards on October 27, 2006 IPPIES Manhattan -New York-
مؤلفاته:
• المقرّر في الفلسفة الإسلامية والعربية واليونانية 1978 الشمال – طرابلس – لبنان .
• رواية : الصمت 1983 – دار الفارابي – بيروت – لبنان .
• بيت لاينام – رواية – تحت الطبع .
• العقل العربي والخطاب السياسي- تحت الطبع .