حوار مع الشاعرة العربية إباء اسماعيل أجراه : الشاعر السوري محمد وحيد علي
ديسمبر 28th, 2008 بواسطة إباء اسماعيل
حوار مع الشاعرة العربية المغتربة إباء اسماعيل
أجرى الحوار: محمد وحيد علي
ـــ بين الوطن والغربة بمفهومها المكاني مساحة للمعاناة ما تأثيرها على حياتكِ كشاعرة ؟…
* عندما تصبح المعاناة مزمنة، تتحوّل إلى مرض يسكنني وأسكنه، آلفه ويألفني ونصبح صديقين حميمين. أحاوره في لحظات الصفاء حين تكون أمواجي هادئة وأعصف به حين يشاكسني ويؤلمني. أتحداه ، وتقترف أمواجي جرم الحلم . الحلم أن أكون هنا وهناك. الحلم أن أنبعث من جديد عبر تيارات روحي الشاعرة ويولد الحب والحنين . وتولد القصيدة.
ـــ يطفح ديوانكِ ( أغنيات الروح ) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بالكثير من مفردات الغربة وملحقاتها … وهو تصوير حيّ ودخول في عمق التجربة . إلى أيّ مدى ينجح الشعر بالغوص في قاع هذه المعاناة ؟ …
* الشّعر هو ذات الشاعر، ظله، خطاه ، سجايا روحه وعمق تجربته الانسانيّة. لايمكن فصل الشعر عن الشاعر. هما توأمان يتبادلان التجربة الروحية . يجسّدان إبداعهما ويتجسّدان في هذا العالم كالشمس وظلها. و كالروح والجسد. الشعر بطبيعته يتحسس نبض الألم في ذات الشاعر ويفيض أنهار اً من الخلق كحالاتٍ خفيّة ومضيئةٍ في آن . خفيّة على من لايدرك كنه هذه المعاناة. وإن كانت الغربة هي المعاناة ، فهي صارخة الألفة والضوء لدى مبدعها -الشاعر- الذي يلتذُّ ربما بالالتصاق بهذه المعاناة لتصبح جزءاً من روحه الشاعرة وما جزء روحه الشاعرة سوى هاتيك القصيدة –المحنة التي يتحررمن ألمه بها حين إخراجها من عتمة روحه إلى ضوء أعين القرّاء.
والشعر هو كهرباء الروح ، ورادار الحواس ، وهو الكائن الحبيب الخرافي العاقل الغريب الأليف الصادق والصديق الذي فتحتُ له أبواب روحي فدخل وكنت هناك. وكان أقرب منّي إليّ . كان بوصلتي يقود خطاي وأنا أمشي في شوارع الغربة. كان واسطتي الوحيدة التي آلفت مابين غربتي وحميميّة اللقاء ،لقائي معه ، مع وجوديّة كيانه الخصب النامي في جذوري، أعطاني نقاءه وخصوبة أحلامه وأعطيته غربتي فانصهر الشّعر بالشاعرة.
ـــ في شعرك عمق الانتماء لوطنك الأم سورية وقد تجلّى ذلك من خلال دواوينك الشعرية التي أصرّيتِ على نشرها في سورية ( اتحاد الكتاب العرب ) و ( وزارة الثقافة ) ما مغزى ذلك ؟ …
* سوريّة هي حبيبتي .. أمّي الكبيرة ….أو طفلتي الصغيرة كما أراها من بعيد. أنجبتني ، سمّتني ،حضنتني وعلّمتني ألف باء المحبة وألف باء الوطن وألف باء اللغة وألف باء الإباء. زرعْتُ ياسمين طفولتها في تربة روحي كي يفوح على مدى السنين. هي منّي و أنا منها فكيف تكون خطاي مباركة إن لم أتواصل معها أو أنال رضاها؟!
ـــ ما ذا أعطتكِ الغربة وما أخذت منكِ ؟ …
*للغربة شبحٌ ملائكيٌّ مكتنزٌ بروحٍ جماليّة خارقة منحني صوتاً جديداً ونبرة مختلفة و براءة غريبة. علّمني الصراخ حين يعصف بي الحزن، والضحك بصوت ملائكيٍّ حين يسكنني الفرح هكذا دون خوف!… منحني أحنحة من بياض طفوليٍّ كي أحلّق في الفضاء الذي أريد…. أصبح صوتي مسموعاً عبر أقنيةٍ كثيرة متشعبة ، أختارها أو تختارني ، لايهمّ ، ولكننا نتلاقى في بوابات الابداع الجميلة الغريبة والمغتربة!
للغربة أيضاً شبحٌ شيطانيٌّ بمخالب سوداء نهش أيامي الغبارية الغابرة والحاضرة والمستشرفة أفق المستقبل . فجّر فضاءات وردية كنتُ أحلم بالتحليق فيها ..كسر موازين قواي التي كانت جذوري معششة بها وأنا بين أحضان الوطن.
هزمتني أقنعة الغربة حين حجبت عن وطني ملامحي وحجبت عني ملامح وطني. لم أعد أعرفه ، ولم يعد
يعرفني . اقتربنا وأنا القريبة ولستُ بقريبة وابتعدنا وأنا البعيدةُ ولستُ ببعيدة. انفصل جسدانا، وتوحدت روحانا و بقينا صديقان . كتبته برموش روحي الدامعة . و تنفّسته رؤىً ،و رأيته حلماً كامناً فيّ كالبحر في إيقاعه اللامتناهي.
ـــ كيف تفهمين الحداثة الشعرية … وإلى أيّ مدى هي متحقّقة في شعركِ ؟ …
* الحداثة الشعريّة نسيجٌ إبداعيٌّ حيويٌّ رؤيوي ماضويٌّ، حاضريّ ومستقبليّ يتدفّق حلماً منصهراً بالكلمات والموسيقا . يحتوي خصوبة التجربة الحيّة للشاعر لتنفتح على آفاق مدهشة غير منظورة الأبعاد. الحداثة الشعريّة هي دماء متجدّدة لحواس القصيدة كلما انقشرت روح الشاعر الحداثي عن إحداها حتى التمس قشرةً جديدةً من روحه كي تخرج إلى النور لكأنّه يقوم بسلسلة من الاكتشافات لمجاهل الروح ومجاهل اللغة ومجاهل التجربة الانسانية لاتكاد تنتهي إلا بالموت. والمدى الأقصى للحداثة الشعرية أو مابعد الحداثة الشعريّة هو خط وهمي أفقه مفتوح على اللانهاية.لم تبدأ بالسيّاب أو والت ويتمان ولن تنتهي بي أو بسيلفيا بلاث. كل جيلٍ من الشعراء في العالم يترك بصماته الجديدة ويرحل ليكملها من بعده وتتجدد دماء الشعر بتجدد الحياة واختلاف تواتراتها . رغم أنَّ هناك من الشعراء المعاصرين مَن يعيش شعريّاً في عصرٍ مضى وآخرون يرون بأنّهم تجاوزا الحاضر في إبداعهم الشّعريّ !! فالمُعاصَرة والحداثة غير مرهونتين بالزمن وحده فقط..
أمّا كم تحقّق منهما في شعري أو مالم يتحقّق ، فهذا يحسمه دور النّقاد والزّمن. بيد أنّ الأهم من ذلك في رأيي ، إلى أيّ مدى قادرٌ هذا الشّعر على تجديد نفسه إبداعيّاً وروحيّاً على مرّ العصور الشّعريّة القادمة؟!!
ـــ في شعركِ نفحات من الشجن المستتر والواضح أحياناً والكثير من الحنين واضاءات جوّانية للروح في تجلّياتها مع ماحولها … كيف تجسّدين هذا الشجن شعراً ؟ …
* للشجن في شعري مَداخل متعددة تتشابك وتفترق . تحتل مساحة وجودي ، ومساحة غربتي ، ومساحة غربة الوطن. لستُ أدري كيف يشتعل الشجن في أحرف قصائدي ولا متى ولكنّها الروح الشّاعرة التي تحتلّني أو أحتلّها هي التي تنقِّب وتقتفي أثر الشّجن في عوالمي الصغيرة والكبيرة، البطيئة والمتسارعة، المُحترقة والمنطفئة، الهادئة والمجنونة، العاشقة والمعشوقة، الزائلة والسرمدية، الغائبة والحاضرة، المحتلّة والغاصِبة….
عالم الشّجن الذي سكن قصائدي كان يبني له أفقاً جَماليّاً مفتوحاً، أفقاً حيّاً ينتصر فيه الحبُّ على الجَّماد، والحنين على الغربة، والحلم على الانكسارات، والطفولة على الموت، والموت على نفسه كي ينشد موسيقا الخلود في ذاكرة الشّعر. إنّه تيّارٌ مائيٌّ هوائّيٌ ترابيٌ ناريٌّ غير مُبرْمج على قنوات الفكْر والحواس بقدر ماهو طبيعة خلاّقة ترصد شعريّاً مايجيش في ذاتها والذّوات الاخرى من إشارات لامرئيّة غائصة في الهمّ الجّواني للإنسانيّة.
ـــ أنتِ تسيرين بخطى أصيلة وجادة للوصول بشعركِ إلى مداه الجميل … برأيكِ متى يمتلك الشاعر صوته الخاص ؟
* صوت الشاعر الخاص يشبه تماماً بصمات الأصابع . للشاعر الحقيقي أن لايشوّه تلك البصمات سواءً كانت عاديّة الملامح أو استثنائيّة . المهم أن تطفو على مساحة وجوده الشعري كي يُعرف وتُعرف به. هذه التي يمكنك أن تسمّيها الفطرة الشعريّة المتواجدة في كيان الشّاعر وإرثه الأصيل. عليه أن يغذّيها وينفحها بمياه تجاربه الابداعية والحياتيّة والثقافيّة . أحياناً عمق المعاناة وصدقها كالغربة مثلاً أو وطأة ظلم أو قهر ، تفجّر في جمرة شاعرٍ ما شرارات شعريّة خاصّة يلتقطها بحسّه الخلاّق ويبرز صوته الخاص متجلّياً كالضوء الذي لايشبه بقية الأضواء.
ـــ تكتبين أيضاً الشعر الموجّه للأطفال … ما مفهومكِ لهذا الشعر … وما جديدكِ ؟ …
* حين يراودني الشوق إلى الطفولة،أعيشها عبر الكلمات التي أنسى بأنها كلمات. أعيش حالة انعدام وزن وأنا أكتب بنفَس طفولي مجنّح . حين تتلبسني حالة طفوليةأشعر بنوع من التمرد والشقاوة . . الحالة الطفولية التي تسكنني حينها ، ليست من النوع المواعظي. أبطال قصائدي ليسوا دائماً مثاليين وواعظين .لأنهم وبكل بساطة أطفال. بكل صدق أقول بأنني لاأشعر بأنني أكتب عنهم كما لو أنني متفرجة بل إنني أعيشهم وأقوم بمثل مايفعلون . وبعقلي الذي لايطفو على سطح القصيدة الطفولية، أقوم بدور المخرجة في فيلم للأطفال. هم يمثلون وأنا أعطيهم حصانة كي يتجنّبوا الأخطاء القاتلة أو تلك التي عليهم أن يتجنبوها كي يصبحوا في المستقبل أولاداً رائعين كتلك القصائد التي حفظوها في طفولتهم .
لديّ قصائد كثيرة للأطفال جمعت القسم الأول منها في ديوان (ضوء بلادي) الصادر عن إتحاد الكتّاب العرب.
ـــ أنتِ تعيشين في المغترب الأمريكي وسط جالية عربية كبيرة … كيف تنظرين إلى الواقع الثقافي العربي هناك وعلى الأخص الشعر ؟ …
* كي تأخذوا صورة واضحة عن الواقع الثقافي للعرب الأمريكان نحن بحاجة لساعات ولصفحات، لذلك فسأقصر الحديث على الحركة الشعرية للشعراء العرب الأمريكان من خلال تجربتي ومعايشتي لها ولهم. يمكننا أن نقسم الشعراء العرب الأمريكان إلى فئتين –وهذا ينطبق أيضاً على المجتمع العربي الأمريكي- القسم الأول هم الشعراء الأمريكان من أصل عربي الذين يكتبون الشعر باللغة الإنكليزية ولايتقنون العربية. أغلبهم ولد في أمريكا أو هاجر مع أهله وهو في سن صغيرة جداً . أذكر على سبيل المثال لا الحصر: نعومي شهاب ناي، ناتالي حنظل، ليسا سهير مجاج، وحسن نعواش من فلسطين . د. خالد مطاوع من ليبيا، حيّان شرارة من لبنان، د. مهجة قحف وآصف الجندي من سوريا . و أليس ألوسي من العراق. لقد التقيت بمعظمهم واستمعت إلى شعرهم في أمسيات شعرية متعددة وحاورتهم بل وكانت لي مشاركة شعرية مع بعضهم. أما انطباعي عن شعرهم بشكلٍ عام فكانت غريبة -أقول انطباعي كي أكون دقيقة ولا أحشر نفسي كمنتقدة أوناقدة- ! لم أشعر في كثير من الأحيان بأني أستمع إلى شعر . هل هذا هو الشعر الأمريكي المُعاصِر حقاً؟! طبعاً أنا لست غريبة عن الأدب والأمريكي المعاصر وهو مجال تخصصي الأكاديمي في جامعة إيسترن ميتشغن الأمريكية . رغم ذلك، كنت أشعر بأني أستمع إلى سرد ونثر وحوارات ونكات وماأشبه بالخواطر اليومية أو اللوحات القصصيةأو السير الذاتية أو المقالات الصحفية أو رصد أحداث سياسية ساخنة آنيّة مشوبة بالفوضى. هل هي فوضى خلاّقة حقّاً أم؟!!
و أتساءل: لماذا لم أتقبّل تلك النصوص على أنها شعر؟ هل لأنها لم تخترق روحي الشاعرة أم لأني لم ألمسها من الداخل.. وماهو الداخل وأنا لم أتحسس ذلك التوهج الشعري فيها!! كنت أراها كفقاعات ملونة تتطاير أمامي بشكلٍ مرئي ولكنه غير محسوس. حسناً. لماذا أسمع التصفيق الحار لهؤلاء الشعراء بعد خيبة أملي من العديد من الأمسيات الشعرية التي كنت أحضرها؟
طبعاً المجتمع الامريكي يحب المباشرة والخطاب الصريح لافرق سواء سمع شعراً أم نثراً أم سيرة ذاتيّة… المهم أن يفهم ويستمتع بما يسمع. والشعراء العرب الأمريكان يعكسون في شعرهم تجاربهم الحياتية الخاصة في المغترب الأمريكي ولها دون شكّ نكهة مميزة لدى القارئ الأمريكي تختلف عما يسمعه أو يقرأه للشعراء الأمريكان وخاصةً عندما يضيفون كلمات عربية غريبة على معجم القارئ الأمريكي بل وفرنسية واسبانية إن شئت. وأيضاً أسماء أماكن وطبخات عربية _ربما يحبها الأمريكان_ وربّما لم يسمعوا بها من قبل وهذا مايوحي لهم الاحساس بأن فيها سحر. صحيح أن (من البيان لسحراً) ولكن ليس كل السّحر فيه بيان! وكذلك نشهد حضور القصيدة المقاومة بين هؤلاء الشعراء كيف لا ومعظمهم هاجروا من الأرض المحتلّة. أمّا البوصلة التي تقودني إلى صحة مزاعمي أو الارتياح لها هي أنّ المحكّ الحقيقي للعمل الابداعي وجودته هو ترجمته إلى اللغات الأخرى فإن توفُّر للنصّ الأصلي أية قيمة إبداعية حقيقيّة ، صمد أمام الترجمات وحافظ على سويته الابداعية. وهكذا تعاملت مع كثير من النصوص ، فحين قمت بترجمتها إلى العربية بكل أمانة لم أجد في كثيرٍ منها مايستحق الاهتمام على صعيد الشعر. وينطبق هذا أيضاً على بعض شعراء قصيدة النثر الناطقين باللغة العربية وهم الذين يدخلون في تصنيف القسم الثاني من الشعراء العرب الأمريكان الذين ولدوا في الوطن العربي ومعظمهم هاجر إلى الولايات المتحدة في سن الشباب . هؤلاء منهم من يكتفي بكتابة الشعر باللغة العربية ومنهم من يتقن اللغتين العربية والانكليزية ويتعامل مع اللغتين ترجمةً وكتابةً. أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: لميعة عباس عمارة، دنيا ميخائيل ، د. قحطان المندوي،خالد المقدسي ، د. عبد الإله الصائغ(شاعراً وناقداً) و فضل خلف جبر من العراق. د. لطفي حداد ، مرح البقاعي، فادي سعد ، طارق عبد الواحد و جاكلين سلام(كندا) من سوريا، عبد الناصر مجلي من اليمن ، ميلاد فايزة من تونس. فرانسواز باسيلي و أحمد العيسوي من مصر. موسى شاهين ، أميرة الزين، نبيل حمود، ياسر سعد ، عبد النبي بزّي و ميّ ناصر(كندا) من لبنان. محمد النبهان (كندا) من الكويت. تقريباً نصف هؤلاء الشعراء وآخرون غيرهم يكتب قصيدة النثر ومعظمهم من الفئة الشبابية و النصف الآخر يكتب القصيدة العمودية وتبقى قصيدة التفعيلة شبه مغيّبة تقريباً عن الساحة الشعرية في المهجر الأمريكي باستثناءات قليلة: شعر محمد النبهان و فرانسواز باسيلي و أحمد العيسوي وبعض قصائد الشاعر عبد النبي بزي وطبعاً بعض قصائد الشاعرة لميعة عباس عمارة.
نرى أيضاً ظاهرة الشعر الشعبي اللبناني و العراقي واليمني في المهجر الأمريكي اشتهر بها كثيرون أذكر منهم الشعراء: جميل بزي من لبنان و أيّوب الأسدي من العراق وعلي بلعيد من اليمن وغيرهم. أرى بأنّ الحركة الشعرية العربية في الولايات المتحدة ليست أكثر تطوراً مما هي عليه في العالم
العربي . والتطور المقصود به هنا الإبداع و الحداثة
و الجودة . هي في بعض الأحيان ربما أكثر جرأة من حيث المضمون.
ـــ ماالتأثير الثقافي الذي يمكن أن تحدثه جاليتنا العربية هناك وإلى أيّ مدى مسموع صوتكم كعرب … وما تأثيره على الرأي العام هناك ؟ …
* التأثير الثقافي الذي تحدثه الجالية العربية في الولايات المتحدة يتخذ اتجاهات متباينة . قد يبدو هذا غير مألوف، ولكن أقوىالاتجاهات الثقافية للجالية العربية وعمق تأثيرها على الرأي العام الأمريكي في الوقت الحالي هو الاتجاهان الديني والسياسي بالدرجة الأولى ويأتي بالدرجة الثانية الاتجاه الفني والادبي . والسبب أن المجتمع الأمريكي منغلق على نفسه بل إنّه مُحاصَر ثقافيّاً وإعلاميّاً دون وعيٍ منه. وقلة من المثقفين الأمريكان الذين يستوعبون شخصية العرب الثقافية –الدينية والسياسية والإبداعيّة- أولئك الذين أقاموا في البلاد العربية لسنوات وتعاطفوا مع شعوبها وقضاياها وثقافاتها . الأمريكان يفهمون الثقافة بدون استعارات وبدون إيحاءات . يريدون أن يتناولوا اللقمة سائغة سهلة الهضم والكلمة مكرّرة و مشروحة مسبقاً. يريدون أن يروا ويسمعوا كل شيء بشكلٍ مباشر وواضح. –وداوها بالتي كانت هي الداءُ- فكونهم يصدقون مايرون ومايسمعون من الاعلام الامريكي و لاوقت لديهم للتفكير العميق والتحليل لما يتعلق بالقضايا العربية وهناك من محطات الأمريكية كالـ (أي بي سي )و (سي إن إن) وغيرها من يحلل لهم .فإنّ الجالية العربية والمسلمة تحديداً وجدت نفسها محاصَرة ثقافيّاً ولابدّ من المُجابهة الواضحة لمحو ماتعانيه من إحباطات. الصحف العربية الامريكية والاسلامية منها بدأت بسياسة تثقيف القارئ الأمريكي ومحاورته باللغة التي يفهمها . بدأت تعكس معاني الاسلام الحقيقية ونقض فكرة الارهاب من الأذهان لتنمّية ثقافة عامة وخاصّة هدفها توضيح القضايا العربية والمفاهيم الاسلاميّة الحقيقيّة المغايرة لما يشاع في الأوساط الأمريكية . وضمن التوجهات السياسية مثلاً نرى الفئة المثقفة من رجال الصحافة ورجال الأعمال تقوم بدور فعال ودؤوب لإسماع صوتها للرأي حكومةً وشعباً . فعلى سبيل المثال، تأسس منذ عدة سنوات في ولاية ميتشغن
( الكونغرس العربي الأمريكي)الذي يضم تحت جناحيه كافة الفئات المثقفة من المجتمع العربي الأمريكي من رؤساء تحرير الصحف والمجلات ورجال الأعمال والإعلام والمؤسسات الثقافية وهدفه وحدة العرب الأمريكان وتصديهم للمواقف السياسية المناهضة للعرب وللعالم العربي ورد الظلم عن حقوق العرب في الولايات المتحدة. ولكنه أيضاً يدعم الحملات الانتخابية للمرشحين الذين هم أقرب لمصالح العرب الامريكان وللقضايا العربية. وأحياناً كثيرة يدعمون الحملات الانتخابية لمرشحين عرب . و تقوم بدور فعّال أيضاّ منظمة(مكافحة التمييز) الـ (إي دي سي) لسدّ الثغرة الثقافية والانسانية التي تحرم في أحايين كثيرة العرب الامريكان من ممارسة حقوقهم ورفع الظلم عنهم من قبل الرأي العام الأمريكي والحكومة الامريكية. وكان كذلك للمفكرين والأدباء والفنانين العرب الأمريكيين الحاضرين والذين غيّبهم الموت دوراً راسخاً في التأثير الثقافي الملحوظ على القارة الأمريكية بل وتجاوزها إلى العالم العربي و الغربي. فممن لمعوا في مجال الصحافة والإعلام المُضاد مثلاً الصحفي الفلسطيني الأمريكي ري (ريموند حنانيّة) و د. جيمس زغبي وهل ننسى إشراقات المفكران العربيان الأمريكيان الراحلان د. إدوارد سعيد و د. هشام شرابي وأدباء المهجر من زمن جبران ومابعد جبران؟ لعل أبلغ ماعايشْتهُ هو توحّدالفن التشكيلي المتطور للعرب الأمريكان وبالذات في ولاية ميتشغن مع الشّعر والموسيقا. حيث يلتحم الفنانون لحشد لوحاتهم في سبيل قضاياهم المصيرية التي يواجهها عالمنا العربي في الداخل والخارج ويشاركهم الشعراء ليعبروا بالكلمة الحرّة عن إبداعاتهم الشعرية وكذلك الفنانين العرب الأمريكان بأصواتهم الجميلة ، ليشكّلوا هارموني عربي أمريكي مؤثّر . كم معرضاً وأمسية شعرية أقامها الفنانون والشعراء العرب الأمريكان ليعبّروا عن الانتفاضة ، ورفع الحصار عن شعب العراق، ومناهضة الحرب ونشر السلام؟ و كذلك رصدهم لأحداث الحادي عشر من أيلول ليثبتوا للعالم و للرأي العام الأمريكي أنهم كمبدعين وعرب أمريكان ضد العنف وضد الظلم وضد الارهاب. ومازالوا حتى هذة اللحظة يحاربون بالريشة والقلم والصوت وتبقى دائماً الصور أبلغ و أقوى و لاتحتاج لترجمة . فوصلت أعمالهم بقوة وجدارة حتى تبنَّتها بعض الاوساط الاعلامية الامريكية المحايدة بالتقدير والثناء.
ـــ هل تصلكم المنشورات الثقافية من صحف ومجلات وكتب سورية وعربيةوغيرها … ما مدى انتشارها وتأثيرها لديكم ؟
الصحف والمجلات العربية تصل بشكل محدود جداً بسبب ندرة المكتبات العربية التي تقوم ببيعها. والمكتبات المحدودة التي تحتكر بيع الكتب المستوردة من العالم العربي تبيعها بأضعاف سعرها الحقيقي. و في حوار مع أصحاب تلك المكتبات تبين أنهم يعانون أيضاً من قلة الاقبال على شراء تلك الكتب. بالنسبة لي، فأنا لاأعوّل عليها كثيراً. فهي أيضاً ليست عامّة بل تعتمد على مزاجية أصحاب المكتبات التي تستورد الكتب الأكثر مبيعاً لا الأكثر أهميّة.و في كل زيارة إلى سوريا، أملأ حقيبة سفري بالكتب كزوادة لحين عودتي مرة أخرى لكن هذا لم يكن يفي بالحاجة . فأقوم باستعارة الكتب من مكتبة الدراسات العليا-قسم اللغة العربية من جامعة ميتشغن فأجد ضالّتي المنشودة . وفي السنوات الخمس الأخيرة ومع انتشار الانترنيت صارت قراءاتنا لكل الصحف والعديد من المجلات والكتب عن طريق الانترنيت. ومن أهم تلك المواقع، موقع اتحاد الكتاب العرب وضعتهُ على المفضَّلة وهو بحد ذاته مكتبة ألكترونية.
ـــ ماالطريقة التي ترين أنها ناجحة في خلق التواصل الثقافي المرجو بين وطنكِ الأم وجاليتنا هناك … وهل يمكنكِ القيام بدورٍ ما على هذا الصعيد ؟ …
* أرى بأن التواصل الثقافي موجود ولكنه ضعيف وبحاجة إلى دراسة جديّة وعمل تنفيذي لتحقيق هذا الهدف. هناك طرق عديدة يمكن أن تساعد في تطوير هذا التواصل.
الادباء في الخارج هم بحالة تشتت . هم بحاجة لمن يجمع شملهم . كان هناك ثمة محاولات للقيام بهذه المهمةلكن الروابط العربية الامريكية مثل رابطة القلم العربية الامريكية، منتدى الفكر والثقافة ومؤسسة جذور الثقافية وغيرها، تلعب دوراً في خلق حالة من التواصل الثقافي للأدباء في داخل الولايات المتحدة لكن هذا لم يتعدّ ذلك ليوصلهم مع وطنهم الأم. طبعاً هم بحاجة لأن يتواصلوا مع بعض المؤسسات الثقافية الهامة في العالم العربي التي تحمل مصداقية كي تتولّد حالة ثقافية متميّزة بين أدباء الخارج والداخل . فتنشط حركة النشر والترجمة ولا يقتصر حضور المهرجانات والامسيات الادبية والمحاضرات على أدباء الداخل ممن هم في الداخل و أدباء الخارج ممن هم في الخارج. طبعاً يمكنني أن أساهم في خلق هذه الحالة سيما وأنني لمست استعداداً ورغبة حارّة لدى أدباء الخارج للتواصل مع أدباء الدّاخل بل وطُرحتْ أمامي أسئلة كثيرة وطروحات من أدباء عرب أمريكان من جنسيات متعددة تستفسر عن مدى امكانية افتتاح فرع لإتحاد الكتاب العرب في الولايات المتحدة. لكنني مثلهم لاأعرف مدى امكانية تحقيق رغبتهم هذه، ولكن ماأعرفه أن لدى الكثيرين منهم الاستعداد للتواصل ووضع حجر الأساس لتحقيق هذا الهدف.
ـــ هل تودّين اضافة كلمة أخيرة ؟ …
أُفضّل أن يبقي الحوار مفتوحاً والكلمة الأخيرة مُشرعة على نصّ مفتوح مستقبلي …أن يقول الشاعر كلمته الأخيرة يعني رحيله شعريّاً أو جسديّاً . هذا لايمنع بالطبع من أن أشكركم جدّاً على هذا الحوار الذي لم يكتمل بعد!