الصحفية المصرية هالة البدري تسأل ..
يناير 28th, 2009 بواسطة إباء اسماعيل
الصحفية المصرية هالة البدري تسأل:
1- هل هناك ملامح أدب عربي مهجري جديد؟
بكل تأكيد. هناك حركة أدبية مهجرية معاصرة بدأت تتكوّن بشكل تدريجي بسبب الهجرة المتزايدة إلى الولايات المتحدة ودول العالم أفرزها في البدء تطلّع الشباب العربي للإنفتاح على الغرب . فالكثير ممن قدموا إلى الولايات المتحدة مثلاً كان لإكمال دراساتهم العليا أو للتخصّص في مجالات الطب وغيرها. وبسبب الحروب والاضطهاد والصراعات ، تزايد عدد المهاجرين العرب أضعافاً ومن بين هؤلاء الأديب والشاعر والصحفي والناقد والأكاديمي. لهذا نلاحظ أنّ أوائل الأدباء العرب الأمريكان الجدد مثلاً كانوا من الجالية الفلسطينيّة المهاجرة بسبب حروب الـ48 والـ67 . ومعظم هؤلاء يكتبون باللغة الانكليزية وبشكل خاص الجيل الثاني. والهجرة التي تليها كانت للجالية اللبنانية التي هاجرت من لبنان منذ بدء الحرب الأهلية في لبنان في منتصف السبعينات والثمانينات مع الاضطهاد والصراعات والحروب في الجنوب اللبناني. وأفرزت هذه عن انتشار حركة أدبية غير منظّمة. فصدرت بعض الصحف والمجلات باللغة العربية وبقسمٍ منها في اللغة الانكليزية يديرها مهاجرون لبنانيون ،لكنها لم تتخصّص بالأدب المهجري بل ترصد أخبار الجالية ونشاطاتها الاجتماعية ومشاكلها الخ. و نقرأ بين الحين والآخر قصيدة هنا وقصة هناك دون رقابة على النشر.وكذلك إقامة بعض الأمسيات الشعرية المتفرّقة التي كانت تحتفي في ببعض شعراء المهجر. وكوني أتيت إلى الولايات المتحدة في عام 1986 ، فقد شهدتُ ورصدتُ الحركة الأدبية في ولاية ميتشغن التي فيها أكبر تجمُّع للجاليات العربية في الخارج بل وتفاعلتُ معها أيضاً.معظم الشعراء اللبنانين المهاجرين في ولاية ميتشغن أتوا من الجنوب اللبناني واتسم شعرهم بالنزعة الكلاسيكية حيث نظموا قصائدهم على الشعر العمودي واتّسم بروح المقاومة والنزعة الدينية والانسانية والتغنّي بلبنان . وفي مطلع التسعينات،اتّسعت رقعة الأدب المهجري بشكلٍ ملحوظ مع بروز حركة مهجرية عراقية كثيفة بسبب الحصار والحروب التي شهدها العراق. لم أكن أتوقّع هجرة هذا العدد الكبير من الأدباء والشعراء من العراقيين. لقد أثْروا الحركة الأدبية المهجرية بشكلٍ لم أشهد له مثيلاً من قبل . ولقد تفاعلنا بالطبع مع هؤلاء الأدباء والشعراء بنشر نتاجهم في (مجلة صفحات) الأدبية التي أقوم على رئاسة تحريرها . أيضاً كان مهماً أن نرصد نتاج المبدعين من العرب الأمريكان بتسليط الأضواء على إصداراتهم الجديدة.و السمة التي كانت تميّز نتاج الأدباء والشعراء العراقيين المهاجرين بشكلٍ عام هو سمة الحداثة . كان حبرهم طازجاً ولغتهم جديدة . طبعاً هناك من يكتب الشعر الكلاسيكي والشعبي أيضاً ولكنّهم قلّة. ولم يخلُ نتاج أديب أوشاعر عراقي من رصد معاناته في ظروف الحرب والحصار وظلم الحاكم. الحركة الأدبية المهجريّة في ازدهار على ماأرى . وهي توازي الحركات الأدبية في العالم العربي والعالمي. لم أجد بأنها أكثر تطوّراً أو حداثة ولكنّها بالتأكيد أكثر جرأة.
2- كيف يعيش أديب عربي في المنفى؟
الحياة في المُغْترَب الأمريكي كما أعيشها أنا تتهادى على أمواج رملية حارقة ومحْرِقة في برودتها. يُهيّأ لي أحياناً أنني أعيش في اللامكان واللازمان. أتساءل أحياناً: ماأهميّة أن نكتب قصيدة هنا إنْ كان الدولار هو الحاكِم. الأدباء الحقيقيّون في هذا العالم المُغْرِق في مادّيته أدركوا سرّ اللعبة : أن تكتب لتكسب وتعيش، هذا أمرٌ غير قابل للتحقيق. ابحث عن عمل آخر كنادل في مقهى مثلاً أو اعمل بشهادتك وليكن الأدب هواية وليس حرفة…. أن يكون لك جمهور كبير من القرّاء يتابع نتاجك ويبارك جديدك ويبحث عنك بين ركام الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لأنك أديب حقيقي، هذا أمرٌ غير وارد أيضاً.لأن الأدب لن يكون ممتعاً كمشاهدة فيلم أمريكي مثلاً. لايمحو غربة الأديب سوى أديب مثله يحاوره ويبادله نسيج عطاء روحه المبدعة، ولكن أين هو ذاك الصديق . هو عملة نادرة تزداد هوّة وشراسة في العمق الزماني والمكاني. ماذا أمام الأديب في المنفى سوى عالم الكتب والانترنيت والخليوي حيث يقرأ و يحاور ويكتب ويعبّر عن رأيه وينشر ويفرح ويحزن وينجح ويفشل . وحين يُطفئ شاشة الكومبيوتر أو يتوقف حواره الهاتفي، ويخلو إلى نفسه فقط ، يعود إلى تلك المساحة الفارغة من حوله. قد يملأها أطفاله أو زوجته ليشعر بأنه حيٌّ يُرزق . هذه الأسرة الصغيرة هي على الأغلب مجتمعه كله وقلة قليلة من الأصدقاء نادراً ماتهتم أو يعنيها مايكتب. قد يُلقي أمسية أدبية أوشعرية مرّة أو مرّتين في العام ،بالكاد تدفعه إلى مزيد من الابداع أو العطاء بروح متّقدة عندما يدرك أنّ أقوى التيّارات في المغترب الأمريكي هي التيارات الاقتصادية والسياسية لا الثقافية. بل إنّ المجتمع الأمريكي هو مجتمع غير مثقف بل منغلق على نفسه يفهم قليلاً بالبورصة وبما سمعه من محطات السي إن إن ما يسمّى( الحرب على الإرهاب)ويصفّق ويؤيّد. في بلادنا العربية، للأديب صوت وقوّة وسلطة ثقافيّة لأنه مبدع ومنتِج يتأثّر ويؤثّر . بل والشعب العربي مثقف أيضاً يدرك مايدور في العالم العربي و الغربي .هنا لا أشعر بهذا. رجال الأعمال والسياسة من العرب الأمريكان هم أصحاب السلطة والنفوذ والكلمةالمسموعة والقبول لدى السلطات السياسية والشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية. والأديب أو الفنان في المنفى يزداد نفياً كلما ابتعد عن الدولار أو ابتعد عنه. قد تبدو هذه نظرة تشاؤميّة لكنها واقعاً لمسته لدى العديد من المبدعين الذين يرفضون التكسُّب سوى من لوحاتهم أو كتبهم لكنّ هذا ماكان ليوصلهم إلى حياة حرة كريمة في المُغْترَب الأمريكي. فعاشوا فقراء في بلد العملة الصعبة.
3- هل يهرب الأديب أو الفنان العربي المغترِب من التعامل مع مفردات ثقافته بسبب التقييم غير العادل لمفردات ثقافته؟!