أبريل 17th, 2013 بواسطة إباء اسماعيل
صاحب ذهب في كتاب (من أعماق الذاكرة)
ذاكرة وطن يتألم في رؤية معاصرة
ضحى عبد الرؤوف المل*
تحررت المذكرات من وهج ذاكرة تؤرخ لحقبة عاشها الدكتور” صاحب ذهب” حين أخذنا معه برحلة عبر كتابه ” من أعماق الذاكرة ” إلى الماضي حيث تاريخ حياة تضافرت فيها أحداث أسهمت، في تكوين رجل استطاع تحقيق خطوات، لا ترتبط به فقط كفرد يحيا في منطقة عربية، ومجتمع عراقي مازال يحمل منه عبق النجف” ومكانتها في حفظ التراث العربي، وصيانة لغة الضاد.
” لنقرأ ما خطته أنامل الذهب من لغة ضاد تشرق معها النفس، وكأنك تقرأ سيناريو تشاهد فيه تفاصيل دقيقة، اجتماعية، وعاطفية، وتراثية، وتاريخية، وسياسية، وهذا ما جعلني أكمل قراءة ” من أعماق الذاكرة” لأغوص في ذاكرة وطن تألم وما زال يتألم، ولكن بأنامل وإشراقة تمنح القارىء إحساسا، أن تاريحنا فيه اسماء عظماء من كل الصنوف الأجتماعية والحياتية مثل “جمال عبدالناصر”، ” شارل حلو”، أم كلثوم، عبدالوهاب، الجواهري، أمين الريحاني، لميعة عباس عمارة..والكثير من الوجوه السياسية والفنية والاجتماعية التي دخلت التاريخ السياسي أو الفني وما إلى ذلك.
لم يسمح الدكتور ” صاحب ذهب” لنظرته العامة على تاريخه الذاتي ونضاله الحياتي أن تسطو على الحقائق العامة، كما أن نقده لأحداث سياسية كان منطقيا وحياديا. بل ابتعد فيه عن الانفعال، وقدم تسلسلا سعى من خلاله إلى تقديم حياة عاشها مع الجماعة من أصدقاء وأقارب، وزملاء عمل شارك معهم الأحزان والأفراح، وكان وفيا للعراق وللنجف بشكل خاص، مسقط رأسه حيث العائلات العريقة متل : قاسم محيي الدين، علي الجشي، رؤوف الجواهري، حمودي الساعدي، باقر الحسني وغيرهم كثر، وكأنه يخط تاريخ العراق بحبر من ذهب، ليبقى في ذاكرة استخرج من اعماقها رؤية معاصرة ، تتكون في مخيلتك وأنت تخطو معه خطوة، خطوة نحو مسيرة وطن عربي يفتقد” لأيام حلوة ذهبت دون عودة ” .
إن لذة الاكتشاف تلاحقك وأنت تقرأ بلغة شاعرية متمكنة بفصاحة تبعد عنك الضجر، وتفتح عيون مخيلة ترى أجمل الصور المشهدية. وهو يصف رحلته في الباخرة ” وبدأ العصر يطوي ساعاته وأخذت الشمس تلتمس طريقها إلى المغيب وكأنها تريد أن ترمي بثقلها في عبابه” فهو لم يقدم أدبا اعترافياً يعتمد على الأنا. بل قدم نقدا باطنيا جعلني أشعر بصدق المعاني وجدانيا، وما تحمله من قدرة على خلق نقد تمتلكه بصيرته الناقدة، ولا سيما وهو يقول في هذا” وأنا دارس اقتصاد ولست دارس آداب.”
فهو ينقل صورا عاشها ليوضح الوقائع الاجتماعية والسياسية المرافقة لحياته، من البداية إلى النهاية، جعلنا نكتشف معه” أن التورية السياسية، إن صح هذا التعبير، سلاح ذكي لكل من يحسن استخدامه مستظلا بظل الدستور، ومتحصنا بما تسمح به القوانين النافذة، تخلصا من أي مساءلة قانونية، حتى إذا كانت التورية تمتد إلى التعريض الشخصي ببعض الرموز السياسية”.
يضيف الدكتور صاحب ذهب إلى الذاكرة أبعاداً تاريخية، لم يقصد من خلالها تصحيح المسارات إنما ليمنح الرؤية لجيل المستقبل كي يبذل جهوده في قيادة بلاده العربية نحو المستقبل الخلاق، لتلافي أخطاء تاريخية وقعت. إلا أنه لم يكشف عنها بذاتية تحليلية يحاول من خلالها امتلاك ذهن القارىء، انما عصف بالأذهان لتولد الحقائق حرة وتبقى في عمق الذاكرة تنتظر من يستخرجها ، كما استخرج الغواص كيس الذهب للخال” كان الخال يخشى أن ينحدر الكيس إلى مواقع لا يمكن ادراكها والوصول إليها، وكشف في حديثه أن في الكيس ، فضلا عن النقود والمفاتيح وثائق وأوراقا يتعذر تعويضها.” فهل فقد العراق ومعه الدول العربية في حروبه وثوراته وثائق واوراقا واثارا يصعب تعويضها؟..تساؤلات تعصف بذهن القارىء ولكن كلما تساءل عن أمر ! جاء الجواب في الصفحات التالية، وكأنه يحاور القارىء بمنطق التحاور، فلم أشعر بالتعصب الفكري أو المذهبي، وإنما تكلم عن سلبيات وإيجابيات لكل شخصية ذكرها ولكل حدث سياسي أمانة مؤرخ تجرد من الذات وترك للحياة التي عاشها نقد مسيرته.
الكتاب يحمل قيمة جمالية لأزمنة لم نحيا فيها، ولكن تجولنا فيها معه حسيا، وعبر أمكنة أحبها.” “كالمحكمة” وهي الصالة التي يجلس فيها الحكيم ” ومدينة النجف ” ظلت هذه المدينة …من أكبر المدن للفقه فناء، وأحسنها في الدين بلاء، و أوطأها للادب كنفا.”وكذلك المكتبة العامة ومقهى شط العرب، ومقهى البرلمان ، كما تعرفنا على المجالس الأدبية ، والجرائد والصالونات الأدبية، بأسلوب تمهيدي مشوق فتح الباب بعده ليتناول الأوضاع السياسية والاقتصادية في الوطن العربي والغربي. بعد أن انهى رسالة الدكتوراه، وبدأ العمل في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
من مدينة كورونا كانت البداية الحقيقية للصعوبات ولاستكشاف المجتمع الأميركي، وتعدد الحركات الدينية فيه، وما لفت نظره ” فثمة بساطة متناهية عند أغلب السكان تستطيع أن تقرأها على وجوههم، وتستطيع أن تلحظها في ملبسهم الذي لا يكاد يفترق عن الغني” ليبدأ بالرؤية المشوقة في تحليلات العلاقات العراقية الايرانية في عهد الشاه، وبعد سقوطه الى حرب تدمير العراق، ومن ثم إلى دور العراقي المغترب في تكوين أنشطة ثقافية تحقق هوية وطن يحمل أدمغة وأفئدة خلاقة .فهل ” ما ظل عالقا في الذاكرة ولم يأت عليه النسيان” سيبقى في ذاكرة التاريخ؟..أم أن التاريخ ستكون أنغامه شبيهة بالكؤوس التي وصفها في مزاد بيع مقتنيات القصور الملكية” صنعت خصيصا لتشرب منها ملكة فرنسا” أوجيني” خلال افتتاح قناة السويس. فإذا قرعت الكؤوس بعضها ببعض ايذانا بنخب الافتتاح ، تحول رنين الكؤوس إلى نغم موسيقي متميز .”
• كاتبة من لبنان
|
كتب في قسم: العدد السادس عشر | لا توجد تعليقات | 2٬176 views