قصيدة – غياب بلقيس
يناير 15th, 2017 بواسطة إباء اسماعيل
غائبةً كانتْ بلقيسُ
أمِ الغائب أنتْ ؟!!
أخذتْ منكَ البحرَ
وزرقةَ عينيكَ
ودقاتِ القلبِ المشحونةَ بالبرقْ …
أخذتْ شهقةَ روحِكَ ،
رعشةَ أزهارِ الجسدِ الغافي
في حلُمٍ يسرقهُ كابوسُ الشَّرقْ !…
أخذت خاتمكَ الملكيَّ،
كنوزَ سليمانَ
وتاجَكَ
والمملكةَ الخضراءْ…
غائبةً كانتْ
أمْ كنتَ الغائبَ
لا فرقْ !…
**
يا الهدهدُ إنْسُجْ أسرارَ الحكمةِ
في عرْشِ امرأةٍ
علِّمْها باسم اللهِ
وباسمِ الحُبِّ
وباسم الشِّعرِ
بأنّ سليمانَ يُرتِّبُ أضواءَ قصائدهِ
الورديَّةَ،
نجماً
نجْماً
كي تنجُمَ بلقيسُ كوهْجِ الشمسِ
تُفَتِّحُ أزهارَ محبَّتِها الأولى
فوق جبين العاشِقِ والتائهِ
في جنَّتِها الفيحاءْ !…
غائبةً كانتْ بلقيسُ
أمِ الغائبُ أنتْ ؟!!
أخذتْ كلماتِكَ
كالشالِ تغطّيها
صيفاً وشتاءْ..
أخذتْ لثغةَ صوتِكَ
تهطلُ في دمها،
مطراً
شِعراً
وهديلَ نداءْ !..
أخذتْ كل طقوس غوايتها
وعطورَ براءتها الأولى،
وجَعَ الغربةِ ،
حينَ تصيرُ الدّاءْ …
كالجمرةِ تقطفُ وهْجَ أنوثتها
وتعانقُ أشجارَ غيابِكَ
في الأمْداءْ …
تركتْ معطَفَها الشتويَّ
المسْكونَ
بقبلتكَ الأولى
كي تصحو في روحكَ
عصفورةَ شوقٍ
حمراءْ !..
***
شِعر: إباء اسماعيل
______________________
ننشر بعض المداخلات النقدية الهادِفة التي وصلتنا حول القصيدة :
الشاعر د. ريكان ابراهيم :
أقصى الموضوعات خطورة في تناولها هي التي تتحرك بندوليا بين التاريخ الديني والتاريخ الانثروبولوجي .
هنا تتحدد هوية الشاعر في الانحياز الى احدى الجهتين. الشاعرة إباء استطاعت أن تشاغلنا بابهة قصيدتها وفخامتها الشعرية عن الكشف عن هويتها مع انني شخصيا رأيت بلقيس الانثى في القصيدة اقوى من التي قالت اني القي الي كتاب كريم .
تحياتي الى الشاعرة اباء
الشاعر الأستاذ جمال مصطفى:
سيدتي الشاعرة الرهيفة إباء اسماعيل
ودّاً ودّا
ما أجمل هذه القصيدة كأنها كأسٌ من بلّور يتشعشعُ منها وفيها
إشراقٌ شعري غنائي خالٍ من العَـكـر والشوائب .
لا يكتب هذه القصيدة الرقيقة إلاّ شاعرة فهي انموذج مشرق تحاول
الأغلبية من الشاعرات اجتراحه ولكن دون وزن وقافية وهذا
مستحيل لأن أجمل ما في هذا الشعر موسيقاه التي ترفع الصور
من تبعثرها النثري الى ذروة غنائية منبثقة من صميم ما
تتصف به المرأة من رهافة وتوق الى رومانسية مثالية مجنّحة .
على القارىء ان يتخيّل كم ستخسر هذه القصيدة إذا تخلّت عن
الوزن والقافية .
وأزعم ان صور هذه القصيدة وتشكيلها نفسه ما كان يمكن أن
يأتي بهذا الإنسياب الأخّاذ لولا قدرة الشاعرة على الصياغة الشعرية
بوزن وقافية , في الحقيقة ان الوزن والقافية هما الرحم الذي ولدت منه
هذه القصيدة .
الرومانسية في انتقاء المفردة ورسم المشهد في هذه القصيدة انثوي
مئة في المئة ولا أتجنّى إذا قلتُ ان الكثير من اللواتي يكتبن الشعر
بالعربية يسبحن في هذه البحيرة الشعرية ولكنهن لا يسبحن كما
تسبح البجعة بل يغطسن في الجرف مكتفياتٍ بالإنغماس الجسدي
وقد يسأل قارىء : لماذا لا يسبحن كالبجعة ؟ والجواب ببساطة
لأنهن يسبحن دون أن تصاحبهن موسيقى تشايكوفسكي . الصياغة النثرية
لهكذا شعر لا تسمح بالتحليق ونجاح هذه القصيدة مصدره
الرئيسي كونها مخضلّة ببهاء الموسيقى .
دمتِ في صحة وعذوبة سيدتي الشاعرة .
الناقد الأستاذ جمعة عبد الله:
الشاعرة القديرة
هذه براعة رؤية التناص ومحطاته وتداعياته بخلقه في رؤية عصرية , في جعل التناص سقف عالي , ومحاولة التسلق والوصول الى هذا السقف على جناحي الرومانسية الشفافة , التي اطلقت جناحيها بكل انتشى للوصول الى عش السقف , بشوق واشتياق بدفقات ودقات القلب , الخافقة لبرق الحب الذي يضيء هواجس الحب ويضيء طريقه للالتقاء , وان يأخذ دربه ليصل الى تيجانه واسواره العابقة بالازهار , والروح تهفو اليه بصبر واشتياق , مهما بعدت وافترقت , لا يمكن ان يصرع الحب في الافتراق , او ينكس راياته بأحلام الكوابيس الشرقية , فهي عصفورة الحب , لا يمكن ان تفترق من مملكة سليمان وخاتمه وتاجه , المطرز بالحب في مملكته الخضراء . فهي حاضرة كما سليمان حاضراً حتى لو في الغياب , لان روح الحب حاضرة لا تغيب , مهما ابتعد الجسد وافترق , فلابد عاجلاً ام اجلاً يتوحد مع الروح الحاضرة , فالحب لا يغيب مهما ابتعدت اسراره واسواره . فيظل يتنسم العطر الرومانسي في الحب , حتى في وجع الغربة والفراق , فلابد ان يكحل الحب باللقاء من جديد , وتعود عصفورة الشرق الى عشها الاصلي , سليمان وبلقيس , او بلقيس وسليمان
كالجمرةِ تقطفُ وهْجَ أنوثتها
وتعانقُ أشجارَ غيابِكَ
في الأمْداءْ …
تركتْ معطَفَها الشتويَّ
المسْكونَ
بقبلتكَ الأولى
كي تصحو في روحكَ
عصفورةَ شوقٍ
حمراءْ !..
قصيدة شعرية تؤكد قدرتها على الصياغة الرومانسية في اريجها العذب والمرهف , بأن الحب مهما ابتعد , يقترب اكثر الى عشه الاصلي , او يرجع الى منابعه الاصلية
تحياتي لكم
الشاعر الأستاذ يحيى السَّماوي:
كثيرون الذين يلجون التاريخ ويسحبونه الى قصائدهم ، لكن القليل منهم استطاع أن يُعصرن التاريخ / الحدث ويضيف اليه من مخياله الإبداعي ، والشاعرة إباء من بين هذه القلة .
لم أجد في القصيدة بلقيس وسبأ وسليمان والهدهد … فالذي وجدته : إباء اسماعيل الشاعرة ــ وإباء اسماعيل الأنثى الذائدة عن الأنوثة كإسم جنس وليس كصفة لعاشقة بعينها ..
هل القصيدة تتصف بالرومانسية الواقعية ؟
أزعم : نعم ..
فإباء لا تتحدث عن العشق كما هو كائن ، إنما : كما يجب أن يكون
… القصيدة هي هدهد البشرى بالنبإ المرتجى .
ثمة سمة التدوير المقطعي في القصيدة ، وهذه السمة لم تكشف عن شاعرة ملمّة بالعروض فحسب ، إنما وتكشف عن إجادتها ترقيص السطور .
تحياتي ومحبتي وإخائي للشاعرة المبدعة إباء اسماعيل .