صحيفة شموس نيوز المصرية تحاورني
أغسطس 15th, 2013 بواسطة إباء اسماعيل
صحيفة شموس نيوز المصرية تحاورني
* مَن هى إباء إسماعيل … فى كلمات؟
إنسانة مسربلةٌ بالحب والحلم والغربة . في جناحَيَّ الشّعر يصنع منّي فراشةً تحاول أن تستغفل الضوء دون احتراق لتضيئ بعض ظلام هذا الكون. وفي شرايين قلبي أوطان صغيرة أحمل همومها بعمق وعشق يسكنني منذ آلاف الأشواق..
* كيف كانت رحلتك الأدبية ومراحلها المختلفة؟
منذ أول رحلة في حياتي وحتى نهايات العمر، سأظل في حالة اكتشاف لاتنتهي للذات والآخَر وفي الأدب وجوهره وتحديداً الشِّعر. في العاشرة من عمري بدأتُ بكتابة المذكرات. أملأ الدفتر تلو الآخَر وفي هذا بوح كبير لصديق لايخون. وفيه حالة تدرُّج وممارسة لفعل الكتابة التلقائي الذي صقل موهبتي بالقراءات المكثفة في الأدب والشعر.. كنتُ أعود لقراءة مذكراتي وأُفاجأ أحياناً بأن في الكثير من صفحاتها أكثر من مجرد كلام عادي.. كان فيها الكثير من الشعر ولكني لم أكن أعي ذلك.. تدرَّجتُ إلى كتابة القصة بحوارات في دفتر مذكراتي ذاته. كانت حيلة الطفلة لإبعاد شبح الاتهام عن سيرتها الذاتية الحميمة.. ولأن قراءاتي في تلك المرحلة كانت تقتصر على الروايات والأعمال الأدبية والفلسفية مما اختزنته مكتبة والدي. شاركتُ للمرة الأولى بقصة قصيرة في مهرجان الأدباء الشباب في الجامعة وكانت الشرارة الأولى التي أشعلت فيَّ عشق الكتابة واكتشاف ذاتي “كشاعرة” بأعين النقاد والمتابعين لتجربة قلمي ولاقيتُ الكثير من التشجيع والحماس.. بدأتُ بعدها النشر في الصحف السورية والعربية. ومنذ بداية الغربة عام 1986 وإلى الآن وأنا أتابع مسيرة الكتابة والنشر والترجمة ( الشعر ) تحديداً. مع كل قصيدة ، حالة اكتشاف ومع كل ديوان ، حلم جديد ومعانَقة لدهشةِ هذا الكون..
* كيف تأقلمتِ مع الغربة وخاصة مع تغير الثقافة والأفكار والمفاهيم؟
الحياة بالنسبة لي رحلة اكتشاف دائمة. وهذا كان عاملاً مساعداً لي لتحدِّي كل المتغيرات التي من الممكن أن تطرأ على حياتي. أيضاً العمر يلعب دوره، كنتُ قد بلغت الرابعة والعشرين من العمر عندما وطأتْ قدماي أرض المُغتَرَب. كنتُ قد تخرجتُ لتوي من كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية. لم أجد عائق اللغة، ولم أعتد على حياة مستقرة ، بل استقرت في أمريكا بعد الزواج وإكمال الدراسة. التأقلم في عمر كهذا أيسر بكثير مما لو كنتُ سأسافر الآن مثلاً. لأن قابلية التعلم والتغيير غير صعبة. ولم يكن هناك خطورة لأن الوعي الذي زرعه فيّ والدايَ ترك أثراً لايُمحى في شخصيتي القادمة ، شخصية الانسانة والشاعرة معاً: المحافظة على جذوري العربية من لغة وعادات عربية أصيلة عملتُ أقصى جهدي لزرعها في أطفالي فيما بعد، وأيضاً التقاط الكثير من الأشياء الجميلة في المجتمع الأمريكي الذي يحتفي بالغرباء ويؤكد بأننا جميعاً “غرباء” في القارَّة الأمريكية، والعالم من حولي ومايحمل من صدمات حداثية لم أكن أتوقع أن أستوعب وجودها في هذا العالم في منتصف الثمانينات ، سحرتني ومنحتني مرونة في التأقلم مع كل جديد مهما تقدَّم بي العمر.
* ما تأثير الحياة فى أمريكا على أفكارك وأسلوب حياتك؟
الحياة في أمريكا لم تغيرِّ في جوهَري شيئاً. بقيت الانسانة التي تفخر بعروبتها و” سوريتها” وشرقيتها الأصيلة. أضافت لي الحياة هنا الكثير بالتأكيد. أحسستُ بعالمية وجودي هنا كإنسانة وشاعرة. أخاطب الأجانب بجنسياتهم المختلفة كما أخاطب أبناء الجالية العربية . ودائماً أبحث عن الأشياء الانسانية المشتركة بيني وبين هذه اليابانية وهذا الهندي وهذه اللبنانية وهذا العراقي وهذه الأمريكية .. وو تعلَّمتُ كيفَ أغوص في جوهر الإنسان و العالم من حولي مع المحافظة على بساطة الروح ورهافة التعامل معه. هذه معادلة صعبة أفتقد وجودها في بلادنا العربية التي تجد فيها في كثيرٍ من الأحيان، سيطرة القشرة الخارجية الماديَّة بثرائها أو ادِّعاء ثرائها على جوهر الانسان. التكنولوجيا مثلاً، هي هنا ليست للرفاهية، هي ضرورة للطلاب في جميع مراحل دراستهم ولجميع الشركات الأمريكية. حضارة حديثة كان لابدَّ أن أتطوّر معها وإلا كان سيتعذَّر عليَّ العيش هنا بسهولة. نتعلَّم استخدام التكنولوجيا ليس للإستهلاك والرفاهية بقدر ماهي للإنتاج والابداع.
* ماذا عن علاقة الرجل بالمرأة وتأثيرها على تقدم المرأة العربية أو تخلفها؟
المرأة والرجل كائن واحد اسمه “الانسان” منقسم على جنسَين. هذا الكائن هو نواة المجتمع. أي خلل أو مرض في هذا الكائن، سيؤدي لخلل في المجتمع. كلّما ازداد هذا الكائن رقيّاً وثقافةً وفهماً لنفسه كإنسان، عرف كيف يتعامَل مع نفسه والآخَر ونجح في إدراك مكنوناتها . أتذكر مقولة الفيلسوف اليوناني سقراط : ” إعرف نفسك” وهذا التعبير موجه للمرأة والرجل معاً كإنسان. أن تفهم نفسك ونقاط ضعفها وقوتها، يعني أن تفهم الآخَر شريكك في الحياة. مشاكل مجتمعاتنا العربية وأسباب تخلفها كثيرة قد تكون جذورها اقتصادية أو سياسية أو دينية بحيث نجد الرجل في كثير من الأحيان ضحية مثلما المرأة تماماً. الفقر والجهل مثلاً يستدعيان سهولة تسرُّب الأفكار الظلامية إلى العقول وسهولة تحويلها إلى هدف سهل بإغرائها وإغراقها بالأموال كي تصبح سلعة. المرأة قد تصبح سلعة والرجل كذلك قد يكون معرَّضاً ليصبح سلعة!! إذن داوِها بالتي كانت هي الدّاءُ.. حملات التوعية ومكافحة الأمّية والجهل، وتأمين لقمة العيش الشريف وإيجاد العمل للعاطلين عن العمل يحل مشاكل الرجل والمرأة معاً ويطوِّر علاقتهما ويرقى بالمجتمع.
* ما المقولة التى تؤمنين بها؟
مقولة جبران خليل جبران
” ليس الشعر رأياً تُعبّر الألفاظ عنه بل هو أنشودة تتصاعد من جرح دام ٍ أو فم ٍ باسم”
* هل الشاعر تحركه موهبة أم هناك دراسات يلزم حصوله عليها؟
الإثنان معاً يتلازمان. شاعر بلاموهبة كصوت بلا صدى أو معنى.
رغم أنني أتبنى مقولة ألبرت أينشتاين ( الخيال أهم من المعرفة) ، أرى بأنَّ الموهبة هي البذرة وغذاؤها الدائم القراءة والثقافة بكافة أشكالها. موهبة الشاعر وتجربته الحياتية كلما كانت غنية وعميقة أنتجت شِعراً وأدباً متميزاً وراقياً. وثقافته التي لاتقتصر على القراءة وحسب، بل كل تجربة يعيشها بما تحمل من فرح وألم ومعاناة وأسفار، وبقدر مايكون قادراً على أن يكون كونيّاً باحتضانه العالم بين أحرفه التي يقرأها في ابداع الآخرين وفي قلمه الذي يهطل ورداَ أحياناً وأحياناً دماءً أو ماءً. ومن أهم أدوات الشاعر التي عليه أن يمتلكها اللغة السليمة وأن يكون على اطلاع بالشعر القديم والحديث وبمدارس النقد الأدبي. ليس الشعر وحده هو غذاء موهبة الشاعر، بل مهم أن يكون مثقفاً بما تحمله هذه الكلمة من معنى ثقافة عامة واعية تتنوَّع قراءاته ومتابعاته لما يجري في العالم من حوله.. لأنَّ حامل القلم هو حامل رسالة إنسانية ويجب أن يكون مُقنِعاً في إبداعه وإن كان يكتب عن مشاعره وأحاسيسه وأحلامه الذاتية…
* تكبين شعر النثر وشعر التفعيلة .. ما الأقرب إلى قلبك و أيهما أكثر ابداعاً من الآخر؟
أنا شاعرة أطير بجناحين. قصيدة النثر لي تحليقاتي فيها وقصيدة التفعيلة أيضاً. قصيدة النثر فيها تشظِّي الأحرف دون تدوير، وربما تنمو بها الأعشاب البرية المدهشة من الصور والأحلام والجموح الذي لايمكن أن تلجمه اللغة ولا الوزن ولا أي شيء. هي حالة أتبلور فيها كزهرة تنمو في صحراء أو كقطة برية تتقن موسيقا الفراء في محبة الهواء الطلق ..
قصيدة التفعيلة إيقاعٌ يطرق أجراس روحي في العمق ولا أعلم متى يأتي وينساب كالماء العذب. تأتي مثل صباح يرفض أن تستقبل عينيه سوى رقصة الشمس في بياضه بإيقاعها ونبضها الذي يعرف متى يوغل في حدّة الانفعال أو متى يخبو بهدوء ..
* هل حققت المرأة العربية تقدماً فى الكتابة الشعرية؟
بالتأكيد حققت تقدماً وانتشاراً كبيراً سيما في عصر الانترنيت، ولكنه يبقى بشكل عام أفقياً أكثر من كونه في العمق. والغالبية العظمى تتخذ ” قصيدة النثر” أسلوباً شعرياً واحداً دون التعمق أكثر في التراث الشعري العربي وفي أوزان بحور الشعر . أمّا السبب فهو الاستعجال للنشر والانتشار بسرعة تفوق القدرة على بناء الذات الشاعرة التي تحتاج لسنوات من صقل الموهبة وإتقان اللغة . كتابة الشعر ليست مجرد صب المشاعر بحرية مطلقة ودفعها للنشر على صفحات الانترنيت. الشعر لغة أصيلة و فن صعب وعلم وموهبة و استمرارية وتفان يأخذ عمر الشاعر (ة)، وليس مجرّد فقاعات نصوص تطفو على السطح ثم تخبو ..ورؤيتي هذه تنطبق على الجيل الجديد – من الشعراء والشاعرات- الذي نأمل منه أن يتلمس طريق الشعر بشكل جاد وصحيح. ورغم ذلك، لاأنكر وجود شاعرات عربيات معاصرات حققن تقدماً ملموساً يشهده تاريخ نتاجهن الشعري الجاد والمتميز.
* ما رأيك فيما أطلق عليه الربيع العربى وكيف تأثرت به؟
أوَّل مَن أطلق مصطلح ( الربيع العربي) هي مجلة ( فورن بوليسي- إف بي – ) الأمريكية وبعدها تبناه الصحفيون ورجال السياسة في الولايات المتحدة لينتشر هذا المصطلح في العالم أجمع . وعلى الأرجح اتُفقَ عليه مسبقاً لينتشر في أحد أهم وسائل الاعلام الامريكية ويترك ثمة” صدى”أو ” مصداقية” تتمكن من الاستحواذ على مشاعر الجاهير العربية وقبلها على الشعب الأمريكي بأن مايحصل في المنطقة العربي ” ربيع” عربي وليس ” تسونامي” صهيوني !!!!
وهذا يدلنا على أن انطلاق الثورات والمصطلحات الجاهزة لها بدأ من أمريكا .. هل هذا تذكير لنا نحن العرب بـ ( ربيع براغ) عام 1968
أم أنه التذكيربـ ” ربيع الشعوب” عام 1848
أم أنه التذكير بالثورات العربية الكبرى التي انتهت باتفاقيات سايكس بيكو عام 1916 – 1918 ؟
الشعوب العربية تتوق للحرية وتتوق للديمقراطية والقضاء على الفساد وحماية حقوق الانسان.تطمح في العيش الكريم ضمن بلاد آمنة وذات سيادة. صحيح. بدأت براعم ثورات عربية من فئات شابة تطمح لتحقيق الأفضل لها و لأوطانها. ولسنا متأكدين بعد من أنَّ النواة التي انطلقت منها في الأصل سليمة بريئة أم وبائية خبيثة ؟!!! لكن ماذا حدث قبل ذلك؟ مشروع الشرق الأوسط الجديد المرسوم للمنطقة العربية بما يعرف بـ ( الفوضى الخلاقة) كان هو السيد والقائد والرائد والباقي أدوات كاستئجار البشر مع عتادهم وتفعيل دور المجموعات الارهابية المسلحة ضمن أجندات تسعى إلى تفتيت – ليس المنطقة العربية فحسب، بل الأكثر من ذلك، تغيير خارطة العالم.
* ما رؤيتك المستقبلية للمنطقة العربية؟
هناك أكثر من سيناريو ولعل الأشد تشاؤماً والذي يريده الغرب للمنطقة العربية أن تعود مئات السنوات إلى الوراء ويُعاد تقسيم الدول إلى دويلات متناحرة بقرارات أسوأ بكثير من اتفاقيات سايكس بيكو وتهيمن اسرائيل على المنطقة العربية. ويهيمن الغرب على مقدّرات وثروات المنطقة العربية ليحل أزمات بلاده الاقتصادية.
السيناريو الثاني:
كون وجود قوتين عالميتين تتصارعان في المنطقة العربية وكوننا لسنا في حرب باردة بل أكثر من ذلك. نحن على أبواب حرب حقيقية. مايجري في المنطقة العربية تتدخل فيه مصالح الدول الكبرى وكذلك مايجري في سورية. ثمة ما أطلق عليه ” ثورات” تمَّ تحت مظلتها تغرير الكثير من الشباب العرب تحت مصطلح ” الجهاد” الفارغ من أي معنى جهادي حقيقي يسعى إلى تحرير فلسطين مثلاً بل على العكس، فهو يدعو إلى القتل وتدمير الاوطان والشعوب والحضارة العربية بما فيها من آثار ورموز ثقافية ودينية، يدعو إلى تخريب فكر ومصير الشباب العربي وتمزيق المفاهيم الانسانية النبيلة بين أبناء الشعب الواحد المتعدد الأديان والانتماءات.. لكأنه بلغ السيل الزبى، الشعوب العربية ستقود معركة التحرير، تحرير ذاتها من الاستعمار الجديد القادم و تحرير الجولان وفلسطين. انطلاقاً من سورية ولبنان والأردن إلى مصر وتونس والعراق وحتى المغرب العربي بدأ يعي هذه المعادلة ويستنفر ليغيِّر بوصلة ” الحرب الخدعة ” على سورية وعلى غيرها من البلاد العربية ، ويحوِّل “البوصلة المزيفة ” إلى بوصلة حقيقية تثمر وتنتصر لتعيد الحق لأصحابه ولحسم القضية الفلسطينية دون مساومة. وهذا قدر الشعوب العربية أن ترفض مايُرسَم لها من مشاريع استعمارية جديدة و( فوضات هدّامة) لاتليق بطموحات الشعوب العربية التي سعت منذ البداية إلى تحقيق حلمها في التحرر من الظلم والجهل والتخلف والفساد.
* هل ترين أن المرأة العربية تحقق تقدماً أم تتراجعاً وخاصة فى مجالات حقوق المرأة؟
المرأة العربية تحقق تقدُّماً في مجالات حقوق المرأة. هي تكافح لتثبت ذاتها وجدارتها على كافة الأصعدة. هناك أسماء لامعة لنساء وزيرات في عالمنا العربي وأعضاء في البرلمانات وسيدات أعمال ونساء عاملات وأديبات وصحفيات وأستاذات جامعيات وطبيبات ومهندسات ومحاميات وإعلاميات… تعملن بجد لتثبتن أنَّ المرأة العربية لاتقف إلى جانب الرجل فحسب، بل يقف الرجل إلى جانبها أيضاً كي تصل إلى هذه الأمكنة عن جَدارة. وهذا دليل على تطوُّر في عالمنا العربي، ولكن للأسف، ثمة قوى ظلاميَّة رجعية عاودت محاولاتها لقمع حرية المرأة وحركتها وحريتها في القول والفعل، وسلبها حقوقها التي تحقق كرامتها في العيش، عاودت لتحاول أن تهدِّد وجودها الانساني لتعود إلى عصور الحريم والجواري. وهذا جزء من عبودية الرجل قبل أن يكون عبودية المرأة. حيث يتم اللعب على عقول بعض الرجال السذَّج ، وبمغريات كثيرة لتأطير المرأة وتحويلها إلى سلعة. هذه القوى الرجعية ستندحر شيئاً فشيئاً بجهود الجيل الجديد الواعي المثقف الطَّموح لأنه يرفض إلا أن يندفع بقوَّة لتحقيق طموحاته والسير إلى الأمام.
* ماهي آخر مشاريعك الأدبية الجديدة؟
مجموعتي الشِّعرية السابعة هي تحت الطبع الآن بعنوان: ( فراشةٌ في مَدار الضوء) وأيضاً أنجزت مجموعة شعرية للأطفال أصبحت جاهزة للطبع.
_______________________________________________
شكرا على جهودك الأدبية و أشعارك الجميلة …..
اللافت بالحوار هو أنه رغم سكنك بعيدا عن منطقة الشرق لكنك تصورت حقيقة الواقع العربي بدقة أكبر من بقية القاطنين بيننا ……. ربما المشهد من بعيد يبدو أكثر اكتمالاً وواقعية …. وفقك الله أيتها المبدعة .