الصحفي السوري محمد علو يحاورني ..
يناير 8th, 2010 بواسطة إباء اسماعيل
– وطن / أتبعثر في دفئكَ /عصافيركَ ترفرفُ في أعماقي / تُرابُك ينفخُ في دمي الحياة / أصيرُ شمسكَ / وياسمينكَ .. / ومن وراء الغيوم والبحار / أَتوهّجُ في سنابل حبّك ..
هذا ما كتبتيه في أولى مجموعاتك، ونحن نحاورك من الوطن، حدثينا عن الوطن وأنت في الغربة..
* الوطنُ مرآة طفولتي الماضية والحاضرة .. حقيبتي التي آخذها معي في مطارات الشوق .. مظلّتي التي تحميني من صقيع الغربة وتيارات هجومها المُشاكِس على روحي التي أَلِفَت ذاتها في الاغتراب ، وأدْمَنَت حالة الانتظار واللهفة والحنين في نبض القصيدة التي كتَبَتْني و ستكتبني أكثَر على قلب الوطن القريب القريب كتفاحةٍ حمراء تزهو بإبائها الغائب عن سمائها وبريق أرضها النابضةِ بالدفء والحب.
2– (23)سنة في بلاد الاغتراب الغربة، هل الغربة تتحول إلى وطن، وهل يفتر الحنين إلى الوطن؟
أتحسّسُ الغربة فأراً قرَضَ نصف عمري حتى اللحظة!!
أتحسَّسُها مَرَضاً يتغلغل في أجزائي فأُدمِنُهُ بل وأحبُّه ..
لعلَّها حالة إدمان .. حالة حب الألم ، معايشته بل التعايش معه مع عدم الرغبة في الإعتراف المطلّق أنه البديل !! كلُّ شيء تتبنّاه لايمكن أن يعوِّض عن الأصل. إذن، الوطن الأم يبقى ( أمّاً) والوطن (البديل) يبقى بديلاً نستعيض عنه ونعيش فيه ومعه عندما يتعثر علينا الحضور في الوطن الأم..
الوطنُ حالة حب ، يجب أن تكون دائمة ومتوهّجة أبداً والحنين هو الشُّعلة التي توقِد حالة الحب هذه في الغربة، إنْ أطفأنا حالة الحنين ، هذا يعني نسيان الوطن ، نسيان الطفولة والشّعر والأرض واللغة والتراث والماضي وحتى مستقبل هذا الوطن.
حالة الحنين، هي حالة الشوق التي تُبقيكَ على اُهْبة التمسُّكِ بما يعشق هذا الوطن، كيف يريدك أن تكون معه أو في غيابه. هي حالة إخلاص تسكن وجودك وجذورك حتى ولو تعددت جوازات سفرك أو هوياتك ، فعيناك ستفضحان بريق هذا الحنين الأبدي.
3- بدأتِ أول قصائدك من سورية وتابعتِ الكتابة في المغترب ، هل من تغير طرأ على كتاباتك وأنت في أمريكا، وأين تمثل ذلك؟
بالتأكيد، بدايتي الحقيقية بدأت في سوريا.. الشرارة الأولى توقّدتْ ولم تنطفئ، بل تحوّلت إلى مدنٍِ وأنهار وبراكين . واحتلت الغربة زمانياً ومكانياً الجزء الأكبر من نتاجي الشّعري.
أعترف أنني لم أخرج من عباءة طفولتي منذ أوّل قصيدةٍ و حتى هذه اللحظة .. وفي لحظة الكتابة وفي جسد الكتابة وفي ضمير الكتابة.. أعترف بأنني مازلتُ طفلة أحبو في طريق الشّعرلأنني أدرك قدسيّة الشّعر، أدرك جنونه وعبقريته ، أدرك غربتي بالشّعر وغربته فيَّ ، هذه الغربة التي حفّزتني لأن أبحث عنه وطناً ثانٍ يأويني … أدركُ كم أجهل وكم لايعرف عني ، أدرك كم من الوطن الذي يستوطن في وجودي شِعراً لم يتوضّأ بماء قصيدتي التي لم تُكتَب بعد.
حياتي مشروع قصيدة لم تكتمِل .. هاجسي أن تكون حقيقية، هاجسي أن تكون عميقة تصل بجذورها إلى أعمق أرض وتعانق فضاءات لها خصوصيتها لديّ. هكذا أرى تجربتي الشّعرية.. مازلتُ أكتب تلك القصيدة.. القصيدة تتعمّق وتمتد جذورها في روحي كلما بعثرني الزمان في طرقاته الوعِرة، القصيدة تتأصّل في وجودي ، لأنني مازلتُ في حالة اكتشافها في القراءة وفي الكتابة وفي وجودي كشاعِرة مازالت تبحث عن ذاتها و( أناي) هي( أنا) الشّعر ….
مشروعي ( القصيدة) تلك الشجرة بكل تراكمات الزمن عليها في عمليات البناء والهدم وتجديد الخلايا .. والشجرة تكبر وتمتد جذورها هكذا إلى نهاية ما ، لاأراها الآن!!
4- النظرة إلى الوطن من خارجه، هل تختلف عندما تكون من الداخل؟
تماماً كالحقيقة والحلم، كالواقِع والخيال، كالموت والحياة، وأنا في الداخِل أشعر بأنّ الوطن شيخ كبير يحضن الجميع وأستعيد طفولتي فيه .. أرى كل شيءٍ فيه جميل ومدهش حتى لحظات صراعي معه، ذلك الصراع الذي انبثق من رؤيتي المثالية في البعيد .. وتغيُّر الزمن على صفحة أفكاري وجبيني وملامحي .. أعشق روح شآمِه وهي ترفرف ببياض ياسمينها لي من بعيد ، وفي القُربِ أراها جمهوريةً طافحةً بعبقِ الياسمين والضوء والكبرياء.. تغزو دهشتي وأحرفي التي نامت طويلاً في ليالي الغربة لتستيقظ على حلمْ متوهِّج وحقيقي اسمه الوطن…
وفي البعيد، أرى الوطنَ طفلاً صغيراً يلوِّحُ لي بيديه ويسألني متى تعودين؟
أشعر بانتمائه لي ، أشعر بأمومتي له ، أشعر بأنني ارتكبتُ حماقةً طويلةَ الأمد في ابتعادي عنه.
5- نسمع عن الكثير من النشاطات الثقافية، الأدبية والفنية في بلاد الاغتراب، برأيك ما هو الدور الذي تقوم به وأين تكمن أهمية ذلك؟
تلعب في الواقع أدواراً كثيرة أهمها:
* تواصل الأدباء العرب في المهجر مع بعضهم ، بغية النقد وتطوير نتاجهم الأدبي.
* ترسيخ الإشعاع الثقافي والابداعي العربي في هذه البقعة البعيدة عن الوطن الأم
* ترسيخ أهمية اللغة العربية وإنعاشها لدى الجالية العربية التي تتابع تلك المحاضرات والأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والتثقيفية.
* محاولة لفت إنتباه الأمريكان إلى تواجد جالية عربية لها خصوصيتها بالثقافة والأدب واللغة العربية وإبراز أهمية ذلك الأدب من خلال القراءات الشعرية والندوات التي تُقام في الجامعات الأمريكية للأدباء والشعراء والأكاديميين العرب الأمريكان وتمرير خصوصية هذا الأدب باللغة الأم حيناً وعبر ترجمته إلى اللغة الإنكليزية حيناً آخَر أو حتى إيصاله باللغة الانكليزية حين تكون هي لغة المهاجر العربي الأولى.
* أما دَور النشاطات الفنية فيصعب حصره في أسطر. هو يبدأ من المعارض الشخصية والجماعية للعرب الأمريكان التي تُقام في صالات عرض خاصة وفي الجامعات الأمريكية. وأما فن الموسيقا الشرقية، فهذا يلقى الكثير من الاهتمام لدى الأوساط العربية والأمريكية على حدٍ سواء. حيث يهتم الجيل الثاني بشكلٍ لافِت بالموسيقا العربية من جذورها وتشكلت فرق عديدة منها ماهو كلاسيكي ومنها ماهو حديث يتناسب مع إيقاع العصر للشباب العربي أينما كان. وكل هذا مطعّم بروح غربية بحكم ولادة الجيل الجديد في أمريكا فقد تشرّب الثقافتين العربية والأمريكية، والفنون الشرقية والغربية. ودائماً تجد الشباب العربي فخورين بعروبتهم في أمريكا وهم يمارسون هذه الفنون فيرتدون الملابس الفولكلولاية لبلادهم وينصبون الأعلام العربية في كل أماكن تواجدهم ليعبروا عن انتمائهم لجذورهم. وهناك من الفرق العربية والفنانين الكبار أمثال صباح فخري وفيروز ومرسيل خليفة وغيرهم يأتون من الدول العربية لإحياء حفلات حيث يتواجد العرب في أمريكا من ديترويت إلى لوس أنجلوس إلى واشنطن العاصمة وأوهايو وغيرها من المناطق التي تحتوي على أكبر الجاليات العربية وهذه تترك أثراً مدهشاً لاستمرار تواصل العرب في أمريكا مع التراث والفنون العربية الأصيلة ومع هوية أوطانهم التي ينتمون إليها. ومؤخراً شهدنا فرقة جوقة الفرح في حفلها الرائع الذي أقيم في ديترويت التي كان لها جولة في أمريكا. رغم أن الفرقة سورية، بيد أن الحضور كان من كافة الدول العربية والأجنبية ، وعكست للجاليات وللمشاهد الأمريكي تراث وفنون وأصالة سورية والموسيقا العربية الأصيلة، وكان لها شذى طفولياً مطعَّم برائحة بلد الياسمين وصدىً خاصاً في تعريف المجتمع الأمريكي على الفن العربي الأصيل، وأن سوريا هي بلد السلام وبلد التسامح والمحبة بين الأديان والشعوب.
6- كان الوطن وهمومه حاضرا وبقوة في معظم ما كتبت، كيف لمست حضورك بين أبناء وطنك؟
في اللحظة التي تحط الطائرة مطار دمشق، أنسى نصف عمري الذي قضيته في الغربة وكأنني لم أغادر يوماً سورية. أشعر بأنني محاطة بحب كبير وحضن دافئ يمتد من البحر إلى الجبل إلى آخر قرية في سورية.. أعيش أيام دهشة وحس جمالي خارق لايوصَف ، أعود طفلة بأجنحة ملائكية أو أسبح كالسمكة التي عادت إلى دفء مياهها.. المحبة و الغبطة والسحر والبساطة في بلادنا وفي شعب بلادنا يُنسوني في أيام ماغاب عني في دهر!!
الشي الوحيد الذي فعلاً أتوق لتحقيقه وأنا في سوريا – كشاعِرة – أن ألتقي قرّائي وجهاً لوجه ، أن أقرأ قصائدي أمامهم بذات الروح التي أكتبها.. أن أشعر بوجودهم، أن أشعر بأنني جزءاً لايتجزّأ من النسيج الإبداعي والثقافي لِوَطني الأم سورية طالما أنني أحمل هويته في بلد الاغتراب و باسمه ألقي قصائدي ممثِّلة بلدي سوريا وأنا مقيمة في أمريكا. و لم أتمكن من تحقيق هذا منذ عام 1986 وهو العام الذي شاركتُ فيه في مهرجان الأدباء الشباب برعاية اتحاد الكتاب العرب للمرة الأخيرة وهو ذات العام أيضاً الذي سافرت فيه للولايات المتحدة ومنذ ذلك الوقت، لم أتمكن من المشاركة في أي مهرجان أو أمسية شعرية في أي مكان داخل سوريا.. من هذا المنظار ، وكَشاعِرة، أدخل سوريا وأخرج دون أن يسمعني أحد وكأني لم أكُن !!! أمر مرور الكِرام كمًغْتَربة وأعود أدراجي وأحمل أوراقي الشعرية وقصائدي التي أعلم بأن الكثيرين قد قرأوها بيد أن صوتي لم يسمعه أحد !!!
7- (الوطن، الغربة، وأنت) ماذا تعني كل كلمة على حدى، ما الذي يجمعكم، وما الذي يفرقكم..؟
الوطن: شاطئ الأمان وأنا النورسة التي أقيم فيه أبداً، في البُعْد، في القُرب، في الحاضر ، في الماضي وفي الأبَد.
الغربة: بحر متلاطم الأمواج، يهدأ حيناً وأغوص فيه بما فيه من محار وخصوبة نباتات وطفيليات و أسماك قرش. هو عالم الساحِر والمسحور، أفتنه ويفتنني، أسخط منه حيناً وأعانقه بحنان حيناً آخَر. لأنّ القدَر هو واقِع لايمكن تغييره بقدر مايمكن أن نحاول تحويله من صخرة إلى عجينة نشكِّلها بطريقة تتواءم مع تواجدنا على هذه الأرض!!!
8- هل كان أن كرمت في سورية، أو في أي بلد عربي آخر ، وما الذي يعنيه لك التكريم..
أتساءل: هل ورقة صغيرة أحصل عليها من جهة ثقافية معينة كُتب عليها شهادة تقدير أو تكريم أو … هي جواز مرور لي لقلب وعقل القارئ أي قارئ؟! هذا الذي قد يكون طفلاً ، هذا الذي لربما لم يُخْلَق بعد؟!! .. بالطبع أقصد هنا، جسر عبور لجيل المستقبل من القرّاء مثلاً. أو حتى هذا الجيل من القرّاء؟!..
شهادة التكريم الحقيقية أتوق لأن أحصل عليها من قارئ حقيقي كبيراً كان أوصغيراً أثْرَتْ وأثّرَت أحرفي في وجوده، أحلامه، مخيلته، أفكاره … حرّكت في ذاته شيئاً جميلاً له خصوصية وقّعتُها باسمي!!
بالطبع أحترم جميع الجهات والسلطات الثقافية التي تمنح المبدعين شهادات تقدير وغيره. هذا يجب أن يكون حافزاً للمبدع ليقدم أكثر، لاأن يشعر بامتياز وتفوّق على غيره من أولئك المبدعين المغمورين الذين هم ربما أكثر إبداعاً ولم يحالفهم الحظ بالتواجد مكانياً وزمانياً للحصول على هذا النوع من التشريف.
* حصلتُ على شهادتَيَ تكريم : الأولى من نادي بنت جبيل الثقافي الاجتماعي ديترويت/ ميتشغن عام 2000
التكريم الثاني من الجمعية الدولية للمترجمين العرب عام 2006
* سورية الحبيبة كرّمَتني حين تبنّت وزارة الثقافة السورية وكذلك اتحاد الكتّاب العرب نشر وتوزيع معظم أعمالي الشعرية. وهذا التواصُل والثقة بتجربتي الشّعرية ونتاجي وأنا في الغربة، لايُعادله أي تكريم!
9- هل لديك مشروع خاص تعملين عليه، ما هو وأين وصلت في ذلك؟
الشّعر هو همِّي وهاجسي الأكبر ، الترجمة هي مشروعي الثاني الترجمة ، وبشكلٍ خاص ، ترجمة أعمالي الشعرية إلى اللغة الانكليزية. هذا المشروع لن ينتهي حتى آخر قصيدة تكتبني !!
10- كلمة أخيرة تقدميها لأسرتك الكبيرة من أبناء وطنك في سورية..
يا شامُ ! …
يا قصيدتي !
عِمْتِ بِحاراًً مِنْ ضياءِ الضَّادِ
والفجْرِ المُباحْ …
يا شامُ ! ،
ها أناملي تناغمتْ
في دفترِ البطاحْ …
وصِرْتُ فيهِ لؤلؤاً
وأنهراً
لأغسلَ الجراحْ …
يا شامُ !
ظَلّي خيمة ً تلمّنا
أو شجراً
يقاومُ الرياحْ …
http://www.esyria.sy/ealeppo/index.php?p=stories&category=directories&filename=200904211705033
رائعة ياغالية
بارك ربي فيك ورعاك