سبتمبر 1st, 2010 بواسطة إباء اسماعيل
* بعيداَ عن التقليد، ماذا تقولين عن نفسك هوية وحضوراَ ورحلة عطاء؟
بعيداً عن التقليد، لاأقول شيئاً على الإطلاق. أحلامي المطبوعة على الكيبورد وعلى الورق، وكيان حضوري الشعري و الانساني لاتحدده الكلمات. مايحدده هو تلك الطفلة التي تسكنني أو ذلك الطفل الذي التقط يوماً ديوان شعر لي – للأطفال – وطلب من أمه أن تشتريه له بعد تصفحه. تحدده تلك الشابة الشاعرة أو الشاعر الشاب التي التقت بي في فسحة شعرية ما والتقطت رادارت روحي لتقول لي: كَم أنتِ أنا رغم انتمائنا إلى جيلَين مختلفين.
يحدده قارئ عادي قرأ أحد دواويني وأخبرني بأنه تأثر به أوعاشَه بصدق. يحدده ناقد أو صديق ثاقب النظرعلَّمَني كيف أعيد ترتيب بعض أشيائي ومفرداتي الشعرية المبعثرة لأخطو خطوةً أخرى مُضيئة في فضاءات الشِّعر.
هويتي: سأبقى إلى الأبد طفلة تحبو في طريق الشعردون توقف. وتُعانق الكون بنبض العاشق وحرية الفراشات ونقاء الينابيع.
حضوري: مالم أنشره ومالم أكتبه بعد هو حضوري الأسمى الذي أتوق إليه شِعرياً.
رحلة عطاء: العمر أقصر من أن نحقق إلا القليل من بريق أحلامنا ولكن المهم أن تكون غنية عميقة ويُكتَب لها الخلود. ولاأريد أن يأتي اليوم الذي أشعر فيه بأنني أعطيت كل شيء!
* بين الوطن والغربة مسافات من حنين ولوعة ومن دمعة ربما..كيف تعيشين تفاصيل الحالة؟
الوطن حالة حلم أعيشه في الغربة.. حالة قصيدة .. حالة طفولة عشتُها وتتجدد كلما وطأت قدماي مطار دمشق.. حالة أمي الحنونة تسكن مشاعري وذكرياتي .. حالة عشق دائمة إلى كل شيء ينبض في الوطن بتفاصيله الصغيرة .. حالة البحر الذي يسكنني بأمواجه المتوسطية الدافئة .. حالة الثورة التي تعيش في داخلي ليخيَّل لي أحياناً بأنني الوطن بكل إبائه وشموخه.. والغربة هي الواقع الذي يمتزِج بذلك الحلم الغريب الذي اسمه الوطن.. هو البعيد القريب وهي القريبة البعيدة.. يمتزجان .. يتوحدان في ذاتي عبر القصيدة ويشكِّلان حضوري الإنساني والشعري ، يشكلان تجربتي الحياتية .. هذا الحنين يكتمِل في القصيدة و يُشِع عبر الكلمات … حتى اللحظة ، نصف أرغفة عمري الساخنة نقرتها عصافير الغربة ومازالت جائعةً تتوق للمزيد.. الغربة واقعٌ جميلٌ إلى حد الدهشة ومؤلم إلى حد النزف .. وحين تنزف أحرفنا، تجف دموعنا وتنطفئ اللوعة فلا تجد لها مكاناً لائقاً في حضرة الإبداع واللحظات الشعرية الحميمة. هذا لأن الإنفعالات الساخنة جداً تقتل الشعر وتقتل القصيدة..
* كيف تنظرين الى المشهد الأدبي السوري، وكيف تقارنيه مع الأدب العراقي؟
لستُ ناقِدة لكي أقول كلمتي بهذا الشأن. والصعوبة الأكبر هي أنني لاأعيش داخل الوطن الأم – والوطن العربي الكبير هو وطني دون استثناء- هكذا أراه من بعيد.
أتساءل: المتابعة اليومية الانترنيتية هل تعطيني الحق لأقوم بعملية التنظير ومقارنة الأدب السوري بالعراقي؟! لا بالتأكيد لم أعِش الأجواء الأدبية في كِلا البلدين لأقارن. هناك مئات بل ربما آلاف الكتب الأدبية الهامّة في العالم العربي بما فيها السورية والعراقية على حدٍّ سواء خارج عالم الانترنيت تم نشرها وللأسف لم أتمكن من الحصول عليها وقراءتها لأقارن بين الأدبين. مِن منظوري الخاص كشاعرة مُغْتَرِبة وليس كناقِدة أقول: إنّ خصوصية كل شاعر أو أديب في العالم ، تنبع من غِنى تجربته وموهبته وثقافته. قد تجد تقارباً ما بين أديب سوري وآخَر عِراقي عاشا تجارب حياتية متقاربة ويتقاربان من حيث قوة الموهبة والثقافة مثلاً. هذا ممكن أليس كذلك؟!
أيضاً … التجارب القاسية والأحداث الدامية التي مرّت على الشعب العراقي من الحصار ثم الحروب و النزف الدموي اليومي، لاشكَّ بأنه أفرزَ جيلاً من الشعراء والأدباء يحفر كلماته بالدم على جدران الحياة وينسج إبداعه من جراء آلامه ومعاناته. هذه الحالة العامّة على الأغلب لانجدها في الأدب السوري بهذه الحدّة ، مع العلم بأن الأدباء والشعراء السوريون في غالبيتهم يشعرون بقوة انتمائهم القومي فيتحسسون آلام الشعب العراقي والفلسطيني ويكتبون ويعبرون عن مشاعرهم لانتمائهم لهذا الهمّ العربي وهذه المعاناة اليومية..
* ما الموضوعات التي أخذت حيزاَ واسعاَ في قصائدك الشعرية أكثر من سواها، ولماذا؟
إن مرجعية الإجابة على هذا السؤال هو قصائدي. إذن، قراءة دواويني الشعرية وقصائدي المتفرقة المنشورة في موقعي وفي الصحف وعلى شبكة الانترنيت هي التي ستكشف للقارئ عن مضمونها وعن مواضيعها . وإن كان لابد من الإجابة على هذا السؤال أقول بأن الشاعر هو نتاج بيئته و ثقافته وتجربته ومعاناته وميوله وموهبته. بحكم غربتي التي قطفت أكثر من نصف ياسمين عمري حتى اللحظة، وبحكم انتمائي لهويتين ولوطنين وللغتين ولعالمين ولحضارتين، فقد تطعَّمت قصائدي بشكلٍ تلقائي بكل ما تحمل هذه الثنائية المدهشة الغريبة من معانٍ وموضوعات.
* تكتبين الشعر بأناقة تتوافق مع أناقة المظهر، هل هي خطة حياة حتى في الشعر؟
الحسّ الجَّمالي برأيي هو بالتأكيد منهج حياتي يعيشه المرء بشكل لاشعوري أحياناً ، بما يحمل في داخله من صفاء روحي وحرية ودهشة ، إن توفرت له الظروف والإمكانات لتحقيقه. لاأراه من الكَماليات. هو جزء من شخصية الإنسان، من جوهره ووجوده. هل الطبيعة وجمالها وماتحمله من عطاء وخصوبة وطيور وأشجار من الكماليات؟ بالطبع لا.وكما يقول الفيلسوف
Walter Terence Stace ولتر ستيس:
” الجمال هو امتزاج مضمون عقلي، مؤلف من تصورات تجريبية غير إدراكية، مع مجال إدراكي، بطريقة تجعل من هذا المضمون العقلي وهذا المجال الإدراكي لا يمكن أن يتميز أحدهما عن الآخر”
الشعر هو ابن الطبيعة ويجب أن يكون جميلاً، مهذباً متناسقاً مع روحي حتى وإن كانت أصابعي تنزف ألماً من احتراقات الوطن وثلوج الغربة.
لاأحب الزخرفات البرّاقة الخالية من المضمون. هذه لاتشبهني ولاتشبه قصيدتي. إنما الالتحام والانسجام بين نسيجَي الروح والجسد ، بين القصيدة كمضمون وجوهَر، وبين أبعادها الفنية والصور الشعرية المتناسقة مع المعنى. هذه أنا بكل بساطة.
* ماذا تريد اباء اسماعيل من هذه الحياة؟ وهل أحرزت طموحاتها وأمنياتها ورغباتها التي تعمل من أجلها وعبر قصائدها، أم ماذا ؟
بل ماذا تريد مني الحياة؟
هذا هو السؤال الذي أطرحه كل يوم. وهذه هي طموحاتي وأمنياتي ورغباتي. أن أمنح الكون والعالم كل مايريده مني كإنسانة أولاً وكشاعرة ثانياً. لاأفكِّر أن أحقق شيئاً لذاتي إلا من أجل الآخَر ماذا يريد الآخَر هو كل ما أفكر وما أسعى لتحقيقه. لاأريد شيئاً من الحياة ، لأن سعادتي مرتبطة بالآخَر. الصغير والكبير ، وأولاً وأخيراً ” الله”
إرادتي وحريتي ووجودي ومحبتي مرتبطة بالآخَر . وقبل كل شيء مرتبطة بالإرادة الإلهية التي منحتني الكثير الكثير. وأنا عاجزة عن شكر ومحبة الله. من هذا المبدأ، طموحاتي لاتنتهي وسعادتي يكمن سر وجودها في تحقيق ماهو جدير بالعطاء للآخَر. هذا يصب في تيار الشعر أيضاً. قصيدتي عندما تصل إلى الآخَر بقوتها وحميميتها وصدقها ودهشتها، أطمئن إلى أنها بقيت وعاشت معه لأجيال وأجيال قادمة. ليس غريباً بحثنا عن الخلود وجلجامش خلد بأسطورته وهو يبحث عن عشبة الخلود. إرضاء ذاتي ورغباتي ينبع من محبة الآخر لما أقدمه وهو دافع لتطوير ذاتي إبداعياً كمَّاً ونوعاً . كل هذا في النهاية يشبه الموج الخارج من البحر إلى الشاطئ والعائد إليه مداً وجزراً. هذه هي حالة التفاعل الحقيقية والسعادة اللامتناهية التي أبحث عنها.
* ماهو جديدك المرتقب؟
وضعتُ مؤخراً اللمسات الأخيرة على ديوان نثري للكبار بعنوان
” أنتَ طفولتي في القصيدة” وهو المجموعة الشعرية الثالثة في نطاق قصيدة النثر والسادسة بعد: ” خيول الضوء والغربة”، ” أغنيات الروح”، ” ضوء بلادي/ للأطفال” اشتعالات مُغتَربة” و ديواني الأخير الصادر مؤخراً عن وزارة الثقافة السورية ” صحوة النار والياسمين”. يقع الديوان في حوالي 130 صفحة ويضم 21 قصيدة.
* هل لكِ أن تختاري لنا مقطعاً من مجموعتك الشعرية المنشورة حديثاً؟
الشّوكُ يُدْمي مُهجتي
ويصيحُ بي :
هيّا تَبَعْثَرْ
ويصيحُ بي :
هيّا تكسَّرْ
والوردُ … أينَ الوردُ ،
وردٌ للجنونِ
أصيحُ : يا !…
يا شَوكُ ! …
لي وطنٌ مُسوَّرْ …
وجروحيَ اشتعلتْ قصائدَ،
نارُها تبقى
لتجعلَ من دمي
وطناً مُشَجّرْ
———————————————-
الكاتب والصحفي
سردار زنكنة
كتب في قسم: وشوشات النورسة | لا توجد تعليقات | 2٬717 views